أنجز روايتي (صالح الجبل)، و(عندما يهتز جبل البركل) ودراسات في تاريخ الأدب السوداني منها كتابه الاشهر (القصة الحديثة في السودان) الذي كان أطروحته للماجستير وأصبح من بعد مرجعية للقصص السوداني، ورغم غيابه سنوات عن السودان مغترباً بالمملكة العربية السعودية إلاّ أن عطاءه ظل متصلاً بوطنه، وعاد مؤخراً ليمارس دوره كمثقف سوداني وناقد واستاذ علم الاجتماع بجامعة النيلين، حيث التقت به (الرأي العام الثقافي) في حوار حول عدد من قضايا الادب والثقافة.. ومعاً نقرأ افاداته: توفير مادة علمية ? كتابك عن المرأة السودانية يعتبر دراسة في النسيج الاجتماعي السوداني ما هي الظروف التي انجزت فيها هذا الكتاب؟ - كتاب (المرأة السودانية اشراقات الماضي وظلماته) أو (ظلمات الماضي واشراقاته) فأقوم بتحوير العنوان حسب طقسي النفسي متشائماً أو متفائلاً، ألفت هذا الكتاب وكان الهدف من تأليفه توفير مادة علمية موثقة للباحثين كي يتعرفوا على المرأة السودانية عبر العصور، وذلك في اسلوب مبسط دون تعمق في احداث التاريخ وأشبه ما يكون بالروايات الحديثة فوصفه البعض بأنه اقرب لكتب الامتاع والمؤانسة، ونشر الكتاب عدة مرات فقد صدر بدءاً من مركز محمد عمر بشير ثم مركز الدراسات السودانية ومؤخراً من دار عزة للنشر. اجتماعية القصة ? ما بين عجوبة الاجتماعي والروائي والقاص من تقاطعات؟ وأيهما مكن للآخر؟ - كتابة القصة منحتني الرؤية الاجتماعية قبل دراستي لعلم الاجتماع ولان فيها الجانب المعنوي والتلقائي بمعنى انها مبرأة من الصنعة، وربما اصبحت اجتماعياً من خلال دراستي للقصة، ومؤكد ان الكاتب لا ينفصل عن مجتمعه وتاريخه. ? (............)؟! - لم اكتشف نفسي كاتباً إلاّ بعد تخرجي في الجامعة وخلال اعدادي لرسالة الماجستير بعد اطلاعي على كل التراث العربي والعالمي في مجال القصة والرواية وكذلك السينما. ربما اختلف عن بقية الكتاب السودانيين الذين يبدأون الكتابة في مرحلة مبكرة قبل ان تنضج اساليبهم وادواتهم، ويتعجلون النشر، وبحكم الزمن لم يكونوا قد اطلعوا على الادبيات الكافية التي تصقل مواهبهم. ريادة نقدية ? قال بعض النقاد ان كتابك عن (القصة الحديثة في السودان) إنما عنيت به الرواية، وكان هناك خلط قد حدث بين الرواية والقصة، اذا استصحبنا ان عدداً من الروائيين بدأوا مشوارهم الابداعي كتاب قصة؟ - (القصة الحديثة في السودان) في الاصل كانت دراسة اكاديمية لنيل درجة الماجستير وعندما اعددتها للنشر رأت لجنة النشر في جامعة الخرطوم برئاسة البروفيسور عون الشريف.. ان العنوان الاكاديمي جامد ومطول فرأت اختصاره الى عنوان صغير ومباشر وجاذب للقاريء ولكني قصدت بالكتاب القصة القصيرة وليس الرواية والوقت الذي ألفته فيه لم تكن الرواية قد تبلورت وظهرت، وربما كانت أول دراسة اكاديمية تناولت قصص الطيب صالح هي دراستي ولم يسبقني احد، كما لم أهمل جانب الرواية عند الطيب صالح وكتب بعدي الدكتور بابكر الأمين الدرديري عن الرواية في السودان.. لم أدع انني كتبت عن الرواية لكني لم اغفل أية رواية سودانية في الهامش والمتن. نقد النقد ? الكتاب ايضاً وجهت إليه سهام النقد فقال بعضهم إنه دراسة تاريخية وليست نقدية للقصص السوداني وحاول بعضهم التفريق بين الناقد الاكاديمي المتخصص والناقد الهاوي؟ - أراهن بأنه ليس هناك من كتب افضل مني عن القصة والرواية في السودان، صحيح ان منظوري كان تاريخياً بحكم تخصصي في تاريخ الآداب، لكن هذا لا ينفي ان كتاب (القصة الحديثة في السودان) دراسة في النقد الادبي فقد تناولت كل القصص باسلوبها ومؤثراتها واستخدمت المقاييس الفنية التي تحكم العمل الادبي وبالذائقة النقدية استبعدت كثيراً من القصص السوداني الذي لا يرقى إلى مستوى القصص من الناحية الفنية. أيهما الاسبق؟ ? دخلت في جدل مع الناقد مصطفى الصاوي حول اسبقية أي منكما في التاريخ للرواية لسودانية، فبينما يعتقد الصاوي ان كتاب الدرديري الذي صدر مؤخراً كان الاسبق إلاّ انني ناقضته بأن كتابك كان سابقاً، وعندما راجع نفسه أجابني بأن الكتابين تزامنا؟ - لم تتزامن الدراستان، فقد سبقت الدرديري على الاقل بخمس سنين، لانني ناقشت الماجستير قبله، وكان كتابي هو اطروحتي للماجستير، ود. الدرديري حضر للماجستير في مصر حيث يستغرق اعداد الرسالة خمس أو ست سنين واعتقد انه استفاد من كتابي وخاصة الببلوغرافيا الملحقة بخاتمته. سقف الرواية والنقد ? برأيك لماذا تركزت جل الدراسات والمقالات النقدية على أدب الطيب صالح قصصه ورواياته ألانه يعد سقفاً للروائيين والنقاد كذلك؟ - رغم ما حظيت به روايات الطيب صالح من جوائز وزخم اعلامي ونقدي إلاّ ان اغلب الكتاب والنقاد لم يتجاوزوا دراستي عن (موسم الهجرة إلى الشمال) عندما قلت: «ان هذه اعظم رواية كتبت في الأدب العربي»، وذلك منذ العام 1967م، ولم يتبين العرب هذه الحقيقة إلاّ مؤخراً عندما منح الطيب صالح جائزة الرواية العربية، وعالمياً عندما تم ترشيح (موسم الهجرة إلى الشمال) ضمن افضل مائة رواية عالمية في القرن العشرين. غضب مني الطيب صالح مرة عندما قلت: لو عاش في السودان لما كتب، توصل الناس لذلك مؤخراً فقال د. أحمد محمد البدوي إن الطيب صالح استفاد من خبرته في هيئة الاذاعة البريطانية حيث كانت بؤرة الثقافة العربية وملتقى للادباء العرب اضافة إلى معايشته للحياة الانجليزية في مطلع الخمسينيات. من قدمه للقاريء العربي؟ ? أخبرني د. أحمد الصادق ان جمال محمد أحمد هو الذي قدم الطيب صالح للقاريء العربي وليس رجاء النقاش وقال إن الطيب صالح ذكر ذلك في حوار معه بالإذاعة السودانية ما رأيك؟ - أول من كتب عن روايات الطيب صالح في السودان هو د. محمد إبراهيم الشوش في دراسة نقدية لرواية (عرس الزين) عام 1967م في صحيفة (الرأي العام)، وأول من كتب عنه خارج السودان هو الناقد المصري رجاء النقاش وقدمه للقاريء العربي، ولكن دراسته عن (موسم الهجرة) لم تخلُ من اخطاء قمت بتصويبها في دراستي وأطروحتي للماجستير، ولدى دراسة نقدية اخرى عن هذه الرواية بعنوان (مصطفى سعيد ذلك النيل الافعى) درست فيها البعد النفسي لبطل الرواية، ونشرت بمجلة «الخرطوم» عام 1970م. شروط الناقد ? برأيك هل توجد شروط وسمات للناقد الذي يتوافر على النقد الروائي؟ - حتى لا يصبح النقد مهنة من لا مهنة له، على الناقد الا يتعجل الكتابة قبل عمر الخامسة والثلاثين بعد ان يكون قد صقل ادواته وأساليبه، واطلع على الكثير من الدراسات النقدية قديماً وحديثاً، وعلى الناقد ان يرفق بالقاريء السوداني ويأخذه على هون. على انني في كتاباتي الاخيرة لم اهتم بالقاريء أردته ان يرتقي لمستوى معين من الفهم ويرهق نفسه في القراءة. خارج السرب ? امير تاج السر وجمال محجوب وليلي ابو العلا وعماد براكا نماذج لروائيين سودانيين جاءونا من الخارج وكتبوا في مناخات غير سودانية وبلغات غير عربية، كيف تنظر لتجاربهم وهل يمكن اعتبارها من المنجز الروائي السوداني؟ - الطيب صالح كاتب سوداني لأنه كتب بالعربية عن المجتمع السوداني لكن أي كاتب آخر ينتمي إلى المكان الذي كتب فيه وعبر عنه انا اعتبر ليلي ابو العلا كاتبة بريطانية لأنها كتبت بالانجليزية وكان بالامكان ان تكتب بالعربية، فالكاتب بلغته واسهامه وليس بجنسيته، هذا تيار عالمي لم يتبلور بعد، وكنت اتساءل لماذا لم يؤلف كتاب جامعة الخرطوم كتبهم ورواياتهم بالانجليزية، رغم ان الجامعة كانت في السابق قلعة للغة الانجليزية؟! لأن الانجليز لم يكونوا يعلمونهم الابداع، بل الصنعة والمعرفة، لذلك يكتب معظمنا بالعربية. وليلي ابو العلا وجدت شهرة ورواجاً داخلياً وخارجياً وهي من الكاتبات المحافظات شأنها شأن الروائيات السودانيات فهن لا يملكن الجرأة لأن المجتمع يقيدهن، وليلي تذكرني بشعراء (النقائض) فقد ارادت ان تكتب شيئاً مختلفاً عن الطيب صالح. تشجيعية ليس إلاّ! ? يحمد لجائزة الطيب صالح للابداع الروائي انها اسهمت في ابراز اصوات واسماء روائية جديدة، هل تظن انها صدى طبيعي للتطور الروائي في السودان؟ - من خلال متابعتي لهذه الجائزة واطلاعي على اعمال المشاركين في الجائزة ارى ان هناك تطوراً ونضجاً في اساليب الكتابة، ولكن بعضهم تناول الرواية باسلوب ساذج، لكن المشكلة ان الجائزة تشجيعية للشباب وليست للمتمرسين وينبغي الا تؤخذ بأكثر من ابعادها، واتوقع من الروائيين الشباب الا يتوقفوا عن محاولاتهم لتطوير اساليبهم وصقل ادواتهم. شكل روائي جديد ? وما هو آخر ما سطره يراعك؟ - صدرت لي في العام الماضي 2007م من منشورات الامانة العامة للخرطوم عاصمة الثقافة رواية جديدة بعنوان: (الحوش الابيض) وهي محاولة لشكل روائي جديد، فيها البعد الرمزي الايحائي وانتقاء الكلمة الاسلوب، وفيها عنصر المفاجأة والتشويق والانتقال من فكرة لفكرة في السطر الواحد، ومكثفة بشكل غريب، حاولت ان انقل فيها تجربة الثلاث ثواني إلى الورق وصفها بعض النقاد بأنها سيرة ذاتية وإن كانت تخلو من الواقعية الفجة والمباشرة التي تعرف بها السير الذاتية، وقال بعضهم انها ليست رواية لأنها كسرت قواعد الرواية، وانا لا أومن بهذه الاكليشيهات الجاهزة.. واقول ان (الحوش الابيض) رواية طالما أنها تتضمن عناصر الرواية بشخوصها واحداثها وحوارها، لكن بشكل مختلف.