تحل هذه الايام على البلاد الذكرى (19) لثورة الانقاذ الوطنى التى عمدت منذ تفجرها الى احلال السلام والنهوض بالاقتصاد، وفى هذا السياق يرى الكثيرون أن اهم انجازات الانقاذ فى الجانب الاقتصادى تكمن فى استخراج النفط السودانى فى ظل الحرب، واقامة مشروع سد مروى الذى فاقت تكلفته الملياردولار، ويذهب البعض الى ان الانقاذ اهتمت بالتنمية والطرق والجسور، والصناعة، والزراعة، والكهرباء... الخ. ولكن فى تقديرى أن أهم انجاز حققته الانقاذ هو سياسة التحرير الاقتصادى التى أقرت خروج الدولة من النشاط الاقتصادى، وافساح المجال للقطاع الخاص، ومحاربة الاحتكار والندرة التى كانت تؤدى الى ارتفاع اسعار السلع والوقوف فى صفوف للحصول عليها.. غير أن تطبيق هذه السياسة شابه كثير من القصور والتشوهات التى أضرت بهذه السياسة وفلسفتها فى محاربة الاحتكار ومنع ارتفاع الاسعار بل أسمهت فى تغيير تركيبة المجتمع للدرجة التى أصبحت فيها تنادى بعض الاصوات الرسمية بازالة الحقد الطبقي خاصة وان المجتمع السودانى أصبح طبقتين (فقيرة وغنية)، وانتهت فيه الطبقة الوسطى التى كانت تحكم هذا التوازن الاجتماعى التى تشمل الموظفين بالقطاعين العام والخاص والمعلمين واساتذة الجامعات والاطباء والمهندسين... الخ ليصبح معظم افراد هذه الطبقة من الفقراء، بينما ظهر أغنياء جدد يمتلكون الثروات الطائلة ويتطاولون فى البنيات كأن علامات الساعة قد ظهرت فى السودان. ولعل هنالك اسباب تبدو موضوعية وراء هذه التشوهات ولكنها فى النهاية اخطاء صاحبت تطبيق تجربة سياسة التحرير الاقتصادى، ومن بينها تطبيق هذه السياسة دون دعم من المجتمع الدولى أو مؤسسات التمويل الدولية لامتصاص الاثر الاجتماعى لهذه السياسة، حيث تم تطبيق سياسة التحرير وفقاً لوصفة صندوق النقد ودون دعم منه وبالتالى أصبحت تركيبة المجتمع السودانى إما فقيراً أو غنياً، كما ان الصندوق الذى أنشأته وزارة المالية والاقتصاد الوطنى لامتصاص الآثار السالبة لسياسة التحرير الاقتصادى لم تلتزم بتوفير التمويل اللازم له لكى يقدم مشروعات للعاملين المتأثرين بالخصخصة او الهيكلة، فضلاً عن أن بعض من طالتهم آثار هذه السياسة لم يصرفوا مستحقاتهم حتى الآن، كما ان القطاع الخاص الذى كان يفترض ان يستفيد من تطبيق سياسة التحرير فى إحداث الوفرة ومحاربة الغلاء فى الاسعار بعد تحرير التجارة أصبح يواجه منافسة شرسة من الشركات الحكومية التى تعمل فى كل شئ ليس فقط التجارة من استيراد وتصدير، بل أصبحت الاسواق المحلية تعانى من تجارة البيع بالكسر والاغراق والظواهر السالبة الاخرى.. ولذلك نأمل ان يشهد حلول الذكرى (19) لثورة الانقاذ الوطنى وقفة عملية لمراجعة وازالة التشوهات التى صاحبت تطبيق سياسة التحرير الاقتصادى، وافساح المجال للقطاع الخاص للاضطلاع بدوره فى التنمية الاقتصادية بالبلاد الى جانب تبنى الدولة لمشروعات واضحة لمحاربة الفقر الذى عم الريف والحضر، وتنظيم الاسواق الداخلية لمحاربة الظواهر السالبة والاحتكار وافتعال الندرة التى تعانى منها الاسواق خاصة للسلع الاستهلاكية الغذائية والاستراتيجية مثل الاسمنت وغيرها.