يزعم الحدواثيون ورواد شعر النفعلية ان الشعر العربي القديم جامد في أوزانه غير متطور، وان قوافيه ثابتة ورتيبة تعوق تدفق المعاني، وأنه يهتم بالوزن الخارجي ولا يهتم بالايقاع الداخلي، وأن القافية تمنع الشاعر من الانطلاق.. الخ. وهذه دعاوى لايعضدها دليل، فالقول بأن الاوزان العربية جامدة وغير متطورة ينافي الواقع، ذلك لأن محاولات التجديد في الاوزان بدأت في وقت مبكر، فمنذ العصر الأموي شاعت الابحر القصيرة التي تلائم الغناء، ونجد ذلك في شعر عمر بن أبي ربيعة، والوليد بن يزيد، وابن قيس الرقيات.. وغيرهم، يقول الوليد بن يزيد: خبروني أن سلمي برزت يوم المصلى فاذا طير مليح فوق غصن يتفلى ويقول ابن أبي ربيعة: أليست بالتي قالت لمولاة لها ظهرا أشيري بالسلام له إذا هو نحونا خطرا إلى غير ذلك من القصائد.. وكتاب الاغاني فيه الكثير من مثل هذه النماذج. وكذلك شاعت في العصر العباسي الأبحر القصيرة، مثل بحر المقتضب الذي لم يعرفه الشعر الجاهلي، ومن ذلك قصيدة أبي نواس: حامل الهوى تعب يستخفه الطرق ان بكى يحق له ليس مابه لعب وقد نظم على غرارها بعض الشعراء منهم شوقي في قصيدته التي مطلعها: حف كأسها الحبب فهي فضة ذهب وعبد الرحمن شكري في قوله: راحة الهوى تعب واحتماله عجب لم يدع لنا رمقاً إنّ صدقه كذب وقد شاع في العصر العباسي بحر المتدارك والمضارع ولم يشيعا في الشعر الإسلامي والأموي، وتتابعت حركات التجديد في الاوزان فظهرت اوزان جديدة خارج ما حدده الخليل بن أحمد كالدوبيت، وهو وزن فارسي نسج علي منواله العرب، ويسمى ايضاً بالرباعي لاشتماله علي أربعة اشطر مثل قول ابن الفارض: روحي لك يا مواصل الليل فدا يا مؤنس وحدتي إذا الليل هدا إن كان فراقنا الصبح بدا لا أسفر بعد ذاك صبح أبدا واستحدثوا اوزان القوما والمواليا.. الخ واستحدثوا كذلك المزدوجات وهي ان يأتي الشاعر ببيتين من مشطور أي بحر مقفيين وبعدهما غيرهما وهكذا مثل قول أبي العتاهية: حسبك مما تبتغيه القوت ما أكثر القوت لمن يموت هي المقادير فلمني أو فذر إن كنت اخطأت فما اخطا قدر إن الشباب حجة التصابي روائح الجنة في الشباب وقد شاع هذا النوع لسهولة النظم فيه في الشعر التعليمي مثل ألفية ابن مالك كقوله: كلامنا نظم مفيد كاستقم واسم وفعل ثم حرف الكلم واحده كلمة والقول عم وكلمة بها كلام قد يؤم ونظم سلم الخاسر الارجوزة ذات الجزء الواحد كقوله يمدح موسى الهادي: موسى المطر قيس بكر ثم انهمر ألوى المرر كم اعتسر ثم ابتسر وكم قدر وكم غفر يمكن ان تقرأ بصور متعددة موسى المطر قيس بكر ثم انهمر ألوي المرر كم اعتسر ثم ابتسر وكم قدر وكم غفر ثم كانت المسمطات، يبدأ الشاعر ببيت مصرّع ثم تليه اربعة اشطر ثم يعيد شطراً مما بدأ به مثل قول الشاعر: توهمت من هند معالم اطلال عفاهن طول الدهر في الزمن الخالي مرابع من هنذ خلت ومصايف يصيح بمغناها صدي وعوازف وغيرها هوج الرياح العواصف وكل مسف ثم آخر رادف بأسحم من نوء السماكين هطال ثم كانت الموشحة التي اختلف في نشأتها واشتهر بها الاندليسون، ومنها موشح ابن زهر: أنا افديه من رشا أهيف القد والحشا سقى احسن فانتشى مذ تولي واعرضا ففؤادي يقطع وهكذا تتوالى في الموشح ثلاثة اغصان ثم قفل يتكرر بعد كل ثلاثة اغصان وهو على وزن القفل الأول، وهكذا نرى ان التحديد في الاوزان والقوافي موجود ومستمر ولكن في اطار يحافظ على السمة العامة للشعر في اللغة العربية، فالوزن والقافية من لوازم الشعر العربي وذلك شئ اصيل في البيئة العربية، حتى الاغاني الشعبية والمدائح النبوية نجد معظمها موزوناً مقفي.