بدعوة كريمة من (معهد اسلام اباد للبحوث السياسية)، قضيت (9) أيام بجمهورية باكستان الاسلامية برفقة اربعة من الزملاء الصحفيين: المكتفي بالله سرور - التلفزيون القومي - الهادي بخيت - خرطوم مونيتر - رجاء خضر النويري - خرطوم تريبيون - والكاتب الصحفي المعروف لطيف جوزيف صباغ - خرطوم مونيتر - بمرافقة الباكستاني المهذب (ثاقب) الذي لم يفارقنا طيلة بقائنا بباكستان.. الزيارة قلبت كل مفاهيمنا السابقة عن باكستان لاعتقادنا انها دولة تفتقر إلى الكثير .. لكن اتضح لنا انها عكس ذلك تماماً.. بل اكتشفنا انها (جنة الله في ارضة). ............................................................................................................ المدينة الحسناء الرحلة من الخرطوم إلى العاصمة الباكستانية (إسلام اباد)، استغرقت زهاء ال (اثنتي عشرة) ساعة.. منها ساعتان بمطار دبي، وذلك على متن طائرة الخطوط الاماراتية (إيرباص).. وانت تنظر من اعلى لمدينة اسلام اباد يخال اليك انها إحدى المدن الجنوبية (جوبا) أو (واو)، فالملامح واحدة تقريباً، سواء أكانت الجبال المكسوة باللون الاخضر، أو البساط الاخضر الممتد أو جمال الطبيعة الاخاذ.. الخضرة تغطي كل المدينة التي تحيط بها جبال (مارقيلا) وهي امتداد لسلسلة جبال الهملايا الشهيرة، اعلى القمم في العالم على الاطلاق. استقبلتنا «اسلام اباد» بدموع غزيرة من المطر وكأنها فرحة بضيوفها من القارة السمراء. اسلام اباد مدينة (حسناء) بالغة الجمال، تتزين بالحدائق يانعة الخضرة، وشوارعها تتجمل بالورود والازهار متعددة الانواع والألوان.. وانت تشاهدها لأول مرة تحس بالألفة وكأنك زرتها وتعرفت عليها من قبل.. مدينة ساحرة لا تثير الدهشة بقدر ما تثير الاعجاب.. فهي مدينة شابة شيدت في منتصف الستينيات في عهد الرئيس «ايوب خان»، حيث كانت العاصمة الأولى مدينة «كراتشي» القريبة من الحدود الباكستانية - الهندية - وتم اختيار موقعها الحالي الاستراتيجي بحضن جبال (مارقيلا)، حتى تكون بمنأى عن مدافع البحرية الهندية.. «اسلام اباد» مدينة حديثة وعصرية ونظيفة، لا تشهد ازدحام العواصم العالمية الاخرى، خاصة الآسيوية.. وقد شكل الرئيس الباكستاني السابق «ايوب خان» لجنة لاختيار اسم للعاصمة الجديدة رفعت «5» مقترحات اولها: كان اسم «ايوب اباد»، باسم الرئيس، ومن حكمته ألغى هذا الاسم وسماها «إسلام اباد»، اي مدينة السلام، حيث ان كلمة اباد في اللغة الباكستانية - الأوردي - تعني مدينة او مكان وقال الرئىس ايوب خان، مبرراً رفضه لتسمية العاصمة الجديدة باسمه: قد يأتي رئيس بعدي ويشطب اسمي، لكنه لا يستطيع شطب كلمة «إسلام». وتضم جمهورية باكستان الاسلامية «5» اقاليم هي: اقليم البنجاب: وعاصمته (لاهور)، ويعد اكبر الاقاليم من حيث عدد السكان، اذ يضم حوالي «09» مليون نسمة من اجمالي عدد سكان الباكستان البالغ عددهم نحو «061» مليوناً. اقليم السند: وعاصمته «كراتشي» والتي تعد اكبر ميناء بالباكستان، وتقع على بحر العرب، وهي مدينة المال ورجال الاعمال والصناعة، وبها «07%» من رأس المال الباكستاني، و«57%» من اجهزة الاعلام. اقليم بلوشيستان: وعاصمته (كويتا)، وهي المدينة التي تدرب فيها السيد رئيس الجمهورية، عمر البشير باحدى كلياتها العسكرية. الاقليم الشمالي الغربي: وعاصمته «بيشاور»، والجميع يعلم ماذا تعني «بيشاور» التي تحتل يوميا مساحات واسعة من اخبار الفضائيات العالمية، والاقليم اشتهر باسم «منطقة القبائل»، وهو متاخم لافغانستان، وتنشط فيه عمليات طالبان، وتجارة الاسلحة التي يستولى عليها مقاتلو طالبان من الجيش الامريكي، حيث يعرض السلاح للبيع على الارض بتراب الفلوس، حتى طائرات الهيلوكوبتر الامريكية التي يستولي عليها مقاتلو طالبان تجدها معروضة للبيع في بيشاور، بعد الاستيلاء عليها من القوات الامريكية.. في بيشاور يمكنك شراء احدث رشاش بمبلغ يعادل مائة دولار فقط، والمشترون يأتون من افغانستان على الحدود مباشرة. اقليم «كشمير الحرة» وعاصمته «مظفر اباد»، وهي المنطقة التي ضربها الزلزال المدمر الشهير عام 5002م وراح ضحيته الآلاف. ألفا صحيفة أولى محطاتنا باسلام اباد كانت زيارة إلى (lslamabad policy research institute) (معهد اسلام اباد للبحوث السياسية) وهو الذي قدم الدعوة للوفد الصحفي السوداني بهدف التعرف على الباكستان.. ويعد من المراكز المهمة، يكفي انه يعمل تحت رعاية الرئيس الباكستاني مشرف شخصياً، استقبلنا مدير المعهد، البروفيسور بيرفيز إقبال شيما، ومعه «9» من كبار اساتذة المعهد جميعهم بروفيسورات لخصوا لنا أهمية ودور المعهد، واتضح انهم لا يعرفون الكثير عن السودان، وتركزت استفساراتهم حول قضية دارفور واسبابها، وقدمنا لهم نبذة عن السودان، كانت كفيلة بتغيير كثير من المفاهيم والمعلومات المغلوطة عن السودان والتي يسوقها لهم الاعلام الغربي. ألفا صحيفة ومجلة تصدر بالباكستان، و(61) قناة تلفزيونية تبث ارسالها على مدار الاربع وعشرين ساعة، رقم الصحف مذهل «0002» صحيفة، منها «002» صحيفة تصدر يومياً، وبقيتها اسبوعية وشهرية وبعض الصحف الكبرى التي تطبع باللغة الاردية توزع أكثر من «مائة» ألف نسخة يومياً، أما الانجليزية فتوزع في حدود «53 - 05» الف نسخة.. وبدولار واحد يمكنك شراء «5» صحف انجليزية، أما الصحف الباكستانية التي تطبع بالاردي فهي اقل سعراً، فبدولار واحد فقط يمكنك شراء «01» صحف.. والصحافة الباكستانية عريقة، اذ تأسست منذ العام 7491م على يد «ظفر عاليخان».. وفي نفس العام تأسست وكالة الانباء الباكستانية (APP) كوكالة خاصة، وتم تأميمها في العام 1691م، ثم تحولت الى هيئة تحت مظلة وزارة الاعلام في العام 2002م، وهي معلم اعلامي بارز، تحتوي على اكثر من «51» قسماً لمختلف الانشطة الاعلامية باللغة الاردية، ولغة البشتون، بجانب الانجليزية والعربية، وتغذى «61» قناة تلفزيونية بشتى الأخبار، بجانب الصحف وتضم «722» محرراً.. كما زرنا التلفزيون الباكستاني والذي تأسس في العام 4691م، واللافت للنظر الاستديو الجديد الذي شارف على الانتهاء وهو ستديو متطور، يحتوي على اجهزة ذات تقنية عالية، كما ذكر لنا الزميل المكتفي من التلفزيون السوداني القومي. ايضاً قمنا بزيارة ل (معهد الصحافة) باسلام اباد والذي يعد الاشهر من نوعه في آسيا وافريقيا، ويضم اقسام الاذاعة والتلفاز، والعلاقات العامة، ويخلو حالياً من قسم للصحافة، ويدرس به حالياً «11» ألف طالب وطالبة من جنسيات مختلفة من ايران والسعودية والنيبال ودول أسيوية اخرى.. ويدرس الطلاب «6» لغات (انجليزي وفرنسي والماني وعربي واردي وبلوشيستان).. والدراسة هنا يغلب عليها الجانب العملي، فالمعهد يضم ستديوهات اذاعية وتلفزيونية حقيقية يتلقى فيها الطلاب جرعات عملية مكثفة، وقد شارك طلاب المعهد بفعالية في تغطية الزلزال الذي دمر مدينة (مظفر اباد) عاصمة اقليم (كشمير الحرة) في العام 5002م. المسجد الأحمر رغم انه لم يكن مدرجاً ضمن برنامج الزيارة إلاَّ أنني اجتهدت في الوصول إليه لوحدي، لشهرته، انه (المسجد الأحمر) بمدينة «اسلام اباد» ويطلق عليه بالاردي اسم (لال مسجد)، وكلمة (لال) تعني الشيء الأحمر أو اللون الأحمر، ويقع بحي (جيس ون) وهو اشبه بمنازل القشلاق لدينا في السودان، مكان سكن موظفي وعمال الدولة.. واشتهر المسجد الأحمر باعتصاماته الطلابية المتكررة، وتم اقتحامه مؤخراً بواسطة قوات الأمن الباكستانية، عند زيارتي له وجدت قوات الأمن تحاصره من كل الجهات لتوقعهم انطلاقة مظاهرة لطلاب الجامعة، بينما عشرات المصورين ومراسلي الصحف والوكالات العالمية ينصبون كاميراتهم حوله متوقعين انداع احداث في أية لحظة.. المسجد الأحمر ليس مسجداً فحسب، بل مركزاً للنشاط السياسي الطلابي، ومقراً للاعتصامات.. حاولت دخوله إلاّ ان رجال الأمن الباكستانيين منعوني بتهذيب بالغ ضمانا لسلامتي، إلاّ انني نجحت في التقاط صورة له من الخارج.. وقبيل زيارتي له بساعة حدث انفجار ضخم بالقرب منه راح ضحيته عدد من المواطنين، وشاهدت مسرح الانفجار وكان في صينية مرور. نظمت وزارة الشؤون الدينية والزكاة والعشور الباكستانية لقاء مع الوفد برئاسة نائب الوزير حامد سعيد كاظم، الذي تحدث كثيراً عن المدارس القرآنية الباكستانية البالغ عددها «21» ألف مدرسة نافياً انها تغذي التلاميذ بالارهاب، قائلاً: نحن نحب السلام، ولا نعطي السلاح لتلاميذنا، بل نمدهم بالمعرفة والعلم.. وقد غطت عشرات الصحف والقنوات التلفزيونية هذا اللقاء، وبثته في نشراتها الأخبارية المسائية، بينما تناولته الصحف على صدر صفحاتها، مشيرة الى زيارة الوفد الصحفي السوداني سواء الصحف الصادرة بالانجليزية أو الاوردية.