النهضة الزراعية الشاملة لا بد أن تصبح تشكيلاً جديداً للحياة ينعكس بصورة مباشرة على اشواق الناس وقد ظلوا لدهور دهيرة يمشون فوق ارض غبشاء الا من بعض عشب لكنها لا تعطي أهلها ما يحتاجون بينما هم يمشون فوقها يتضورون بسبب المسغبة الدائمة وتدنى القدرات الجسدية التي اضنتها العلل والأمراض على الاخص الملاريا.. والملاريا لا فكاك منها بغير الكسرة الجيدة والملاح المفيد مع كفاح لحشراتها الطائرة.. مع ذلك يدبون دبيباً في تلك الارض مجيئاً ورواحاً او رواحاً بلا مجيئ فالقدرة على استنباتها قاصرة إذ ان لوازم الاستنبات ليست فقط سلوكة وملودة وأي بذور تبذر للذرة - فلا بد مع ذلك من صمود.. ولا بد للصمود من مقومات. في وسط هذا البؤس الشنيع يتبعثر الناس.. وتصبح حركتهم كأنها دوامة تمضي دون هدى ومصدر الطاقة فيها القلق والحيرة.. وكثير من فرقاننا الزراعية فقدت شبابها الذين حملوا هموم أهلهم وهاموا بها على وجوههم.. في المدن النائية أو بالتسرب إلى خارج البلاد بأية وسيلة تتاح. هؤلاء جميعاً لا منقذ لهم غير ارضهم. فهي عزيزة غنية معطاءة إذا اودعت البذور واحيطت بالرعاية وتمضي السنون.. ويزداد الحال سوءاً.. خمسون عاماً لم يهنأ فيها الزراع بوفير حصاد يدخرون بعضه ويبيعون بعضه لشئون حياتهم اليومية كلها وحتى في الجزيرة اروع مشروع زراعي في افريقيا وغيرها.. وهو المشروع الذي كان في عام الاستقلال يدر على البلاد ميزانيتها السنوية ذات الفائض لم يهنأ أهلها إلا في العام 1591م إبان الحرب الكورية التي تقافز فيها سعر القطن.. ثم بدأ التدني عاماً إثر عام.. إن ما يحيط أهلنا من بؤس وفقر لا منجاة منه بغير الرجوع إلى ذات هذه الارض الطيبة، لكن ذلك يقتضي تدبيراً ورسم خطط متفق عليها وتحديد اهداف وبذل مال كثير .. وها هي الاستفاقة تتحقق في الاتجاه الجاد قاصدة النهوض بالزراعة على رحاب عريضة طويلة على الاخص في المناطق التي اشقاها (المحَلْ) بفتح الحاء وسكون اللام.. فيعلن على الملأ ان تدابير احداث نهضة زراعية شاملة قد اعدت تماماً بعد ان قتلت بحثاً وترسيماً وتقويماً هو جهد نهض به ابناء السودان من الخبراء والعلماء والباحثين في الجامعات واتحادات المزارعين والرعاة والصناع وتكوينات المجتمع المدني واصحاب الرأي.. جهد اريد ان يوضع على الجادة بعد ان استكملت كل حساباته وهي مناضلة من نوع غير مسبوق يقف في مقدمة ركبها الاخ الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية الرجل الذي اعتاد مواطنوه ان لا تخيب مساعيه خاصة في مواجهة الملمات الكبرى وفي ذلك أكبر دليل على جدية المسعى برغم ضخامة المشروع وما يقتضيه من بذل للجهود الانسانية وبذل لمال سخي.. والكل الآن بات يرنو الى النواتج المتوقعة من تنفيذ برنامج هذه النهضة.. وقد حسبت بدقة فلا مجال فيها للصدفة أو ضروب الحظوظ.. ونطالع في مجمل هذه النواتج المتوقعة الآن من تنفيذ هذه النهضة الزراعية الاشمل ابتداء بالانسان أي ببناء قدراته البشرية والمؤسسية والإلتزام باستخدام التقنيات والمدخلات نعم استخدام التقنيات التي تجد قبولاً من المزارعين والمنتجين والمجتمع.. والأمر لا بد فيه من تحاشي الهرولة.. لأن بالهرولة تكثر العثرات لهذا لا يراد الاستعجال في الحكم على نتائج البرنامج من عامه الأول.. والزمن المحدد له ينتهي في العام 1102م (أربعة اعوام) ولن يغيب على الناس ما يمكن ان تؤثر به العوامل التي هي خارج نطاق السيطرة البشرية مثل الامطار.. ومع هذا فانه يستقر لدى المخططين لهذا البرنامج «الرباعي» أي لهذه النهضة الزراعية ان يحدث بنهايته في العام 1102م، تأثيراً اقتصادياً واجتماعياً أهمه استقرار المنتجين في دائرة الانتاج وتحقيق امنهم الغذائي ومعاشهم بما يدفع الي تطويق الفقر وحماية وتنمية الموارد الطبيعية واستدامة عطاء الموارد والوصول إلى ذلك يحققه التوسع الرأسي بزيادة الانتاجية لوحدة المساحة ونوعية المنتج لتقليل تكاليف الانتاج وتحسين السعر لإحداث التحسن المطلوب لمنتجاتنا ذات الميزة النسبية للمنافسة بجدارة في السوق المحلي للاستهلاك المحلي والتصنيع والسوق العالمي للصادر الطازج والمصنع. أخيراً ان البرنامج كما يهدف مخططوه من علمائنا يعتمد على ستة عوامل لإحداث الطفرة التنموية هي التحسن في البنيات التحتية - وبناء القدرات والتنمية البشرية - ثم الخدمات المساعدة فالتحسن في النظم والادارة المزرعية ثم الرقابة والاشراف والمتابعة وتحسين قدرات المشاريع القائمة. استناداً إلى ذلك يراد ان ترتفع انتاجية الذرة في القطاع المروي من «3.1» طن للفدان لتصل الى «5.2» طن للفدان بنهاية البرنامج أي من عشرة جوالات إلى خمسة وعشرين جوالاً.. وفي القطاع المطري الآلي والمطري التقليدي من نحو يقارب الثلاثة جوالات إلى «5.5» جوالاً وهي انتاجيات ممكنة يتم الحصول علىها حالياً بواسطة المزارعين المتميزين في القطاعات المعنية.. وترتفع انتاجية القمح من «1.1» طن للفدان إلى «6.1» طن للفدان بنهاية البرنامج وهي انتاجية أيضاً ممكنة تحتاج فقط للالتزام بالتقانات الموصى بها وفي الحبوب الزيتية كالسمسم ترتفع انتاجيته من نحو «721» كيلو جراماً بالقطاع المطري الآلي و«231» كجم بالقطاع المطري التقليدي إلى «522» كجم و«902» كجم على الترتيب وهكذا يراد ان ترتفع الانتاجية في المحاصيل الاخرى بنسب مقدرة إن شاء الله. - يتبع -