الصناديق الإنتخابيّة تأتى أحياناً رافعةً راية الدهشة، وفى مصر أخيراً حَقَنَتْ المراقبين بجُرعةٍ من الدهشة لم يتمكن بعضهم من احتمالها... لكنّه فى كل الأحوال هو ذات الصندوق الذى يحمل اتجاه الأغلبيّة التى لم يسمع أحدٌ صوتها لأنها كانت صامتة أو لا يود أحد سماعها! أسفرتْ الانتخابات المصريّة عن نتيجتين: أولاهما أنّه لم يحرز أحد نسبة الأصوات التى تؤهله ليكون رئيساً لمصر من الجولة الأولى، والثانية أنّ الجولة القادمة ستتيح نفسها لواحدٍ من اثنين، إمّا مُرَشّح حزب الحريّة والعدالة, أو مَنْ تشير إليه أصابع اتهام بأنّه مُدبّر موقعة الجمل التى صارت أكثر شُهرة من تلك بالتاريخ الإسلامى! النتيجة أذهلت مَنْ أذهلته لأنّ المُرَشَحين قادمان من الخلف فهما آخر المرشحين التحاقاً بقائمة مرشّحى الرئاسة، وأنّ أحدهما فرع من الشجرة التى كانت حاكمة، والثانى لم يكن ترشّحه وارداً بعد تأكيد حزب الحريّة والعدالة أنّه ليس لديه مرشّح للرئاسة، ثمّ دفعَ بخيرت الشاطر مرشّحاً حتى ظنّها البعض بأنّها غلطة الشاطر، والشاطر هنا هو حزب الحريّة والعدالة! الديمقراطية أدخلتْ المصريين إلى زاوية حرجة بين ضلعى محمد مرسى وأحمد شفيق، فغالبُ المصريين لم يستفيقوا من مفاجأة تقدّمهما لذلك فليسوا على استعدادٍ للمفاجأة الثانية وهى فوز أحدهما... الناخبون عليهم الاختيار بين تسليم السُلطات كلها إلى جماعة الإخون المسلمين أو تسليم بعضها إلى آخر رؤساء وزراء مبارك! لو كان عندى حق التصويت فى هذه الانتخابات لم يكن صوتى فى الجولة الأولى يذهب بعيداً عن عبد المنعم أبو الفتوح أو حمدين صباحى، فقد تحققتْ لهما لحظة تاريخية فى لم شمل القوى المصرية الجديدة والقديمة (الليبرالية والثورية والاسلامية والقوميّة)، وأنّ انسجام ابو الفتوح وصباحى كان سيجعل من أحدهما رئيساً والثانى نائباً ممّا يعنى أخذ كل القُوى الجديدة إلى قصر العُروبة! قلبى بغير صوتى مع المصريين فى زاويتهم الحرجة التى يتشكك الكثيرون على قدرتهم فى الخروج منها قريباً... وليس لدىّ عونٌ لهم غير تذكيرهم بالمثل الشعبى المصرى (اللى اتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى)!!