[email protected] ما تزال فرص حمدين صباحي قائمة .. ثم يسقط خلال عامين.. ليخلفه أبو الفتوح ..لكن تحالفهما تصنع حكومة مستقرة ذات شعبية. إخوان مصر إستشاروا إخوان السودان فتورطوا. هل أتاكم حديث الكاروري؟ تحالف اليمين المعتدل واليسار المعتدل أمر حتمي في مصر كما في السودان فراغ القيادة نسخة مصرية طبق الأصل من نظيرتها السودانية هل فهمتم الآن لماذا قمت بتشكيل حكومة إنتفاضة قبل عام؟ مقدمة: تجذر العصبية وتراجع المبدئية بين المثقفين في السودان.. عنوان لمبحث بدأت أكتبه منذ فتره .. لكن الحالة المصرية مثلت حالة عصبية مشابهة لما أكتبه. فقررت التوقف عندها عبر هذا المقال. الغريب هو أنه بينما بدأت أرصد وقائع التعصب في المشهد المصري ، فإذا بالمثقفين السودانيين يستدعون عصبيتهم أثناء تحليلهم للحالة المصرية. بمعنى أن السودانيين يصدرون عصبيتهم إلى مصر المكتفية ذاتياً من التعصب. الذي يتابع التحليلات السودانية على مواقع التواصل الإجتماعي يجد البرهان على ما أقول. لكن كل ذلك كوم ، وما فعله الوسواس السوداني الخناس بمصر كوم آخر. فالمعارضة السودانية تستخدم عصبيتها في التحليل، أما الحكومة السودانية فقد وسوست بالفعل لمصر ببلاويها فأوصلته إلى ما هوعليه من توتر وقلق. (1) ثورة أبو الدقيق .. درس لمن يعتبر أبو الدقيق هو الفراش (مفردها فراشة).. والفراش المبثوث لا يعرف التحرك بإنتظام في شكل أسراب كما هو شأن معظم المخلوقات الأخرى. ويظل يطوف حول الناربطريقة عشوائية ملئها التوهان ، إلى أن يقع فيها. ولم يُعرف بعد سر تكالبه على ضوء النار دون جدوى، فلا هو يفلح في الإستفادة من ضوء النار لتجميع الطعام ، ولا هو يتمتع بالإستفادة منه في إقامة ألافراح حوله.. ثم تنتظره الخاتمة الفاجعة بأن تكون النار منتهاه. وثورة مصر أشبه بحال الفراش المبثوث. والثوار في مصر صاروا فراشاً بعد أن إنتصروا ، لأن الفراش (أبو الدقيق) لا ينتصر أصلاً. والسبب الأول لما يحدث في مصر هو عدم وجود تنظيم أو كيان للثورة المصرية ، مثلما ليس للفراش قيادة تنظم تحركه. وهناك سبب ثاني ، وهو الوسواس السوداني الخناس الذي قدم النصيحة للمصرين فأوصلوهم إلى ما هم فيه، كما سنرى. كتبنا قبل عام تقريباً وأبدينا إحساسين نقيضين في شأن الثورتين المصرية والتونسية.. الإحساسان النقيضان كانا هما الإعجاب والحذر. أما الإعجاب فقد كان بسبب الإبتكار الخلاق في الطريقة المصرية لإشعال الثورة والصبر عليها وتنظيم حلقاتها عبر الإستفادة من تجمعات أيام الجمع ، فإستطاع الثوار بتلك الأمواج البشرية أن تدوخ قوات الدولة البوليسية المباركية.. والإعجاب أيضاً، ولدرجة الإندهاش ، بالروح التونسية التوافقية التي جمعت اليمين واليسار في حكومة إئتلافية خيبت ظنون فلول النظام التونسي السابق المتأهبين للشماتة في تناحر الثوار بعد النصر. ثم كان الحذر الذي أبديناه في إحتمالية عدم نجاة المصريين - عكس التوانسة- من مصيدة فلول النظام السابق ، وعزونا السبب في ذلك إلى توهان الجيل الثائر غير المنظم (المستقل)، فلا هو حاول أن ينتظم في كيان جامع عاصم من التشتت والتوهان ، ولا هو توزع بين القوى السياسية (المنظمة). فأصبحت كحال المقشاشة بلا حبل. واليوم يصدق الحدس وتحيق بالثائرين الندامة. يا خبر !!.. جرى إيه؟ نوضح ما جري في الفصل التالي (2) لو كانت قوى الثورة المصرية المستقلة قد إنتظمت في كيان واحد فقط (حزب وسطي) أو كيانين إثنين فقط أحدهما يمين الوسط أو اليمين المعتدل (ابو الفتوح) والآخر يساره أي اليسار المعتدل (صباحي) ، لو كان ذلك قد حدث ، لتمكنت مؤسسات الكيانين من فرض وحدة تنظيمية تجمعهما أو تحالفاً ثورياً بينهما يكتسح الإنتخابات بنجاح ويسر كبيرين. لكن هذا لم يحدث ، والسبب هو أن صباحي ليس كياناً بل شيخ وحواريين ، وكذلك أبو الفتوح. والنتيجة هي ما ترون !! بين الدولة الإخوانية .. والدولة البوليسية. (3) يا ويلك يا مصر .. معادلة صعبة ولا شك. وصراع المبدأ والمصلحة في أوضح تجلياته. ففوز مرشح الإخوان يتوافق مع المبدأ الديمقراطي لكن ليست فيه مصلحة لمصر .. أما فوز شفيق فليست فيه مصلحة ، ولا يتوافق مع المبدأ. فوز مرشح الإخوان سوف تكون كارثة على مصر ولن تستقر بعدها .. الثوار لا يرضون .. الأقباط سيشتعلون .. وفلول نظام مبارك سوف يتحولون إلى عصابات مافيا لتخريب كل شيئ .. من الأمن حتى الإقتصاد ..بينما الهم الأول لحكومة الأخوان سوف يكون دعم كلٍّ من حركة حماس في فلسطين و نظام البشير في السودان.. وبسبب دعمهم لحركة حماس سوف تنقطع المعونة الإقتصادية الأمريكية عن مصر .. ويترنح الإقتصاد المصري بأكثر مما هو عليه الآن.. ثم تأتي الطامة الكبري التي سوف يتسبب فيها تآكل صناعة السياحة بعامل الإخوان والسلفيين. وفي المقابل فوز أحمد شفيق كارثة أكبر .. فمعناها عودة الدولة البوليسية بصريح العبارة.. ورغم أن شفيق أقل كارثية من الإخوان في بعض الجوانب ، إلا أنه أكثر ظلامية في جوانب أخرى... فمن جهة الإيجاب: لن يشعل الإخوان البلاد حال فوز أحمد شفيق ، لأن سيطرتهم على البرلمان سوف يكون بمثابة المخدر لهم. ولسوف يهدأ الأقباط .. ولسوف تنجو مصر من فخ الإقتراب من حركة حماس.. لكن من الزاوية الأخرى فإن الثوار لن يسكتوا على فوز أحمد شفيق.. ففوزه محصلة مهينة لثوار وثورة مصر ، وعلى ذلك فهي أيضاً رسالة سالبة لكل شعوب المنطقة الباحثين عن التغيير .. من لدن العرب العبيد إلى الأفارقة البائسين. رسالة محبطة وخلاصة مشينة.. أن لا داعي للتغيير .. وأن الديكتاتورية أفضل من الديمقراطية.. (يا لهوي) .. أية رسالة خبيثة وأي مآل تعيس للأمور يراد لها أن تكون ؟! فاصل ثم نواصل ... عندما أصف العرب (بالعبيد) فذلك وصف دقيق وليس شتيمة. فهم مستعبدون بالفعل ومحكومون بالملكيات . ولا يملكون حتى حق إختيار إسم لدولهم. ولا يملكون مجرد حق النقد في كرة قدم. ومن يغالطني فليشاهد على اليوتيوب كيف هدد أحد الأمراء ناقدين رياضيين بأنه سوف يؤدبهم لأنهم إنتقدوا أداء مدير للكرة إختاره الأمير. أما الأفارقة فهم مقهورون بالديكتاتوريات العسكرية لكن لديهم حريات نسبية أفضل من العرب. فالديكتاتوريات العسكرية لا تريد أحداً أن يقترب من عروشها السياسية وشهواتها المالية، ولكنها تترك الناس لِشأنهم في بعض الأشياء، أمّا الديكتاتوريات الملكية فتتدخل في كل شيئ حتى كرة القدم. إلا السودان فقد جمعت بين الإثنين. إنتهي الفاصل.. وأهلاً بكم من جديد من زاوية ثالثة أيضاً، ففي مصر تحديداً ، تنظيم الإخوان أهون على المصريين من الدولة البوليسية ، إذ ليس بيد الإخوان هناك سوى الأداة الديمقراطية ، فهم بعيدين عن الجيش والأمن، وحتى الآلة الإعلامية المصرية كلها ضدهم. هو تنظيم متعصب في الفكر والمواقف، لكنه مدني وأعزل تماماً عن أدوات العنف ، ولا يستطيع ان ينفذ أي إنقلاب كالذي حدث في السودان ، وإذا فاز اليوم بالرئاسة يمكن إزاحته بسرعة فائقة عبر الأداة الديمقراطية نفسها، وقد حدث أن فازت أحزاب اليمين المتطرف في بلدان ديمقراطية لكنها سقطت سريعاً (ساركوزي في فرنسا) و(حزب كاديما في إسرائيل). وبعضها إضطر للتحالف مع بعضها وإنحنت لشروط اليسار والوسط كي تبقي في الحكم (نتنياهو في حزب الليكود وليبرمان في حزب شاس وتحالفهما مع حزب العمل - إسرائيل). أما أحزاب اليسار المتشدد فقد ندر وصولها إلى السلطة سلمياً ، وهي خاضعة أيضاً للعبة الديمقراطية في البلدان الديمقراطية على أية حال. فوز تنظيم الإخوان تجلب الكوارث صحيح، لكنها في المقابل تعتبر إقرار للتجربة الديمقراطية ، إذ أن كوارثها مؤقته تنتهي بالتخلص منهم في أي وقت يراه الشعب مناسباً والإتيان بحكومة جديدة. أما دولة شفيق البوليسية فالتخلص منها يحتاج إلى ثلاثين سنة أخرى.. أرأيتم المصيبة !! (4) الثلاثي المتعصب + غفلة الثوار المسؤولون عن هذا الوضع العصيب في مصر هم ثلاث جهات: المجلس العسكري الحاكم والإخوان والأقباط ، ثم الثوار الغافلون. فالمجلس العسكري أثبت أنه شديد الولاء للنظام القديم. حاول إعادة عمر سليمان رجل مبارك القوي، لكنه شعر بخطورة الخطوة المكشوفة وأن ذلك سوف يجر البلاد مباشرةً إلى أزمة. فلجأ إلى رجل قوي آخر من رجال مبارك لكنه أكثر حربائية فعسى ألا ينتبه إليه الناس ألا وهو أحمد شفيق ، وقد نجح المجلس العسكري حتى الآن في وضعه في أول سلم العودة إلى دولة مبارك البوليسية. الإخوان وورطة الوسواس الخناس ثم جاء دور الإخوان الذين قلبوا الطاولة على أنفسهم. ولكن من الذي ضللهم وقد أبدو ذكاءاً ملحوظاً في بادئ الأمر؟ إعلان تنظيم الإخوان في بداية العهد الجديد بأنهم لا يرغبون في كرسي الرئاسة في الدورة الأولى ، كان تقديراً صائباً .. فمصر في وضع إستثنائي، ولا يحتمل تجريب أية جهة سياسية مشكوك في إتزانها السياسي. إذن فمن العقلانية أن يبتعدوا عن المناطق الحساسة حتى تهدأ الأمور ، وحتى يتعرف الناس على نوعيتهم ،هل هم يمثلون اليمين المتطرف ( نموذج أحمدي نجاد في إيران والبشير في السودان) ، أم أنهم على شاكلة اليمين المعتدل ( أردوغان في تركيا وراشد الغنوشي في تونس)، فإن دل سلوكهم البرلماني خلال دورة كاملة أنهم من النوع الأخير فإنه يمكنهم أن يترشحوا للرئاسة بعد ذلك ، فالشعب المصري حينها قد لا يرتاع من حكمهم. أما الآن فليس هناك ما يطمئن.. لكن الوسواس الخناس قد جاءهم من جنوبالوادي..أتدرون من هو الوسواس السوداني الخناس؟ إنه التنظيم الحاكم في السودان. هل أتاكم حديث الكاروري؟ توقفت بالصدفة عند خطبة الجمعة عبر الفضائية السودانية ، فإذا بالكاروري يخطب في القوم يحدثهم أن عصام العريان القائد الإخواني المصري كان في زيارة لهم في السودان، والعريان يسأل الكاروري سؤال حول التأصيل للتمكين: متي يتوجب عليهم في مصر أن يستلموا مفاتيح التمكين؟ والكاروري يجيب: فوراً ودون تأخير. وجاء بآية قصة سيدنا يوسف (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) + (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) ثم ذكر بأن يوسف النبي لم يطلب التمكين بعد حين أو بعد فترة من الزمن ، بل طلبه فوراً .. وبهكذا وسوسة أسال إخوان السودان لعاب إخوانهم في مصر للسلطة. والمصريون المغفلون لا يعلمون الوسوسة الحقيقة وراء الوساوس السودانية. هؤلاء في السودان دافعهم الحقيقي لتحريض إخوانهم في مصر على السلطة هو البحث عن حلفاء يحتمون بهم من مآال مشؤوم ينتظرهم. والعصبية المذهبية لدى إخوان مصر هي التي جعلتهم يطلبون النصح من الإخوان المجانين في السودان ، مع أن المجنون لا يؤخذ بأقواله ، لكنها عصبية الإنتماء. بصمات النظام الحاكم في السودان تتجلى لدي إخوان مصر بين لحظة وأخرى . اليوم وأنا أكتب المقال إستمعت إلى المرشح مرسي وهو يسعى لكسب أصوات إضافية لحملته ، ظننته يعرض منصب رئيس الوزراء ، ومناصب مهمة مثل وزير المالية أو وزير الخارجية ، لكل من صباحي أبو الفتوح والأقباط ،لكنه وعدهم بمنصب نائب رئيس وبمساعدين ومستشارين.. قفزت إلى ذهني مباشرةً صورة الحاج آدم وجورج كنقور وحجافل المساعدين والمستشارين الديكوريين للرئيس البشير، أجزم أن هذا الإستهبال السياسي قد تفضل به عليهم إخوانهم في السودان. ثم الأقباط وجاء الطرف المتعصب الثالث في المسرح المصري ، الأقباط . توقعت أن ينحو الأقباط منحي المسلمين في أوروبا وأمريكا ، حيث يحتمي المسلمون في هذه البلدان بأحزاب اليسار هروباً من غلواء اليمين المسيحي المتعصب. لكن الأقباط إختاروا ألا ينظروا إلى حمدين صباحي اليساري وفضلوا عليه رجل الدولة البوليسية (شفيق). إختاروا الديكتاتورية الصريحة مع أنه كان بإمكانهم أن يجدوا في المائدة الديمقراطية ما يهدئ جوعهم إلى الحرية. العصبية تأكل المبادئ كما تأكل النار الحطب. ونسوا أن الديمقراطية فيها متسع حتى ولو بعد حين. كاتب هذا المقال من دارفور السودانية ولديه يقين تام بأن أحمد شفيق الديكتاتوري أفضل له - بحسابات المصلحة البحتة - من رئيس ديمقراطي من تنظيم الإخوان يحكم مصر ، لأن هذا الأخير ببساطة سوف يبارك الإبادة الجماعية ضد أهله في السودان ، لأن من يقود حملات الإبادة في السودان هو أخ إيديولوجي للرئيس المصري الإخواني. وكذلك يفعل صباحي اليساري الناصري العروبي لأنه أخ في التعصب العروبي لمن يقودون حملات الإبادة في السودان وينجذب بسهولة لدعاية المجرم الذي يحكم السودان الذي يدعي بأنه حامي حمى العروبة. لكن المبدأ لا يتجزأ ..فمع ذلك صباحي أفضل لمصر ، بعد تراجع أبي الفتوح إلى المرتبة الرابعة ، وبالعدم فالرئيس الديمقراطي الإخواني أفضل لمصر من الرئيس البوليسي .. فقط ليس الآن. أما الرئيس البوليسي فلا يصلح اليوم كما لن يصلح غداً. التعصب شيئ مخيف ويعمي البصيرة. عندما نقول يجب ألا يحكم الإخوان مصر الآن ، فليس لأنهم لا يستحقونه ، لكن للضرورة أحكامها. ولقد هالني أن بعض المحللين لا ينظر إلى المسألة من باب الضرورة ، بل يحرمهم هذا الحق بدون أدني منطق ديمقراطي. ويستندون على الرأي القائل بعدم جواز التكويش على السلطتين التنفيذية والتشريعية. مع أن النظام الديمقراطي لا يعيب ذلك. ففي أمريكا حدث أن سيطر كلا الحزبين الكبيرين على البيت الأبيض والكنغرس بمجلسيه في وقت واحد، وآخرهم هو الرئيس الحالي أوباما الذي كان حزبه يسيطر على الكنغرس في السنتين الأوليين من حكمه وبعدين .. (5) المخرج المؤقت من كل هذا هو تحالف يجمع حامدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح .. فهما ذوي مقبولية لدى قطاعات عريضة ومتعددة من الشعب المصري ... والمجلس العسكري الذي ظل يقوم بالإخراج المسرحي السياسي طيلة هذه الفترة ، ما كان يعدم الحيلة لجعل هذا الخيار ممكناً .. كان بإمكانه أن يعطي أوامره إلى لجنة الإنتخابات بأن تقبل الطعن المقدم من حامدين صباحي ضد أحمد شفيق. ويتم إبعاد شفيق ويتقدم صباحي لمنافسة مرشح الإخوان ولسوف يفوز الأول ويخسر الأخير. وإذا أراد صباحي أن تستقر حكومته ، عليه أن يتحالف مع أبو الفتوح ويمنحه منصب نائب الرئيس أو رئيس الوزراء. أما إذا إنفرد صباحي هو الآخر بالسلطة فسيسقط خلال عامين ولسوف نبين ذلك بعد حين. المجلس العسكري بيده كل شيئ وليس صحيحاً القول أنه لا يتدخل .. فقد تدخل من قبل وبطريقة سياسية بحتة - وليست قانونية - وأبعد المرشحين الثلاثة الأكثر إثارةً للمشاكل: عمر سليمان وخيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل. كان بإمكانه أن يبعد أحمد شفيق بنفس الحجة. ليس هناك فرق بين أحمد شفيق وعمر سليمان. لكنه لم يفعل ، لشيئ في نفس يعقوب. .. ثم ماذا؟ ما تزال أمام حمدين صباحي فرصة أن تبعد المحكمة الدستورية أحمد شفيق بإعتماده لقانون العزل السياسي. لكن عليه أن يضمن عبد المنعم أبو الفتوح إلى جواره حتى تستقر حكومته لأن جمهوره مؤقت ، وسوف نبين لماذا قلت أن جمهور صباحي جمهور مؤقت ، وذلك في المقطع السابع والأخير في هذا المقال. تقارب المعتدلين يمين و يسار هو المخرج من الأزمة المصرية .. كما هو المخرج من الأزمة السودانية (6) أنحن قبيل شن قلنا؟ تتطابق الحالة المصرية على الأزمة السودانية كوقع الحافر على الحافر. فهل يعي السودانيون الدرس؟ ثورة في مواعين كثيرة فوضوية. وإصرار على عدم التقارب. وتقاعس وعجز عن مجرد محاولة لتشكيل حكومة منفي حتى يتدربوا على التنازلات والعمل المشترك قبل الوصول إلى الحكم. كلها أمراض مشتركة هنا وهناك. ولهذا كنت قد إقترحت تشكيل حكومة إنتفاضة قبل أكثر من عام. ولم أكتف بالفكرة بل شكلت حكومة كمثال حتى أعطي النموذج. ولم يلتقط زعماء المعارضة القفاز ليدخلوا المعمل. حتى جاءتنا االتجربة المصرية مجسدةً حالتنا كفلق الصباح بياناً. وما نزال نتفرج. أنج سعد .. فقد هلك سعيد !! فاصل قبل الختام، بمناسبة تشكيلي للحكومة الإنتفاضة. ضحكت حتى بدت نواجذي من عصبية الإنتماءات عند بعضنا. فبعيد تشكيلي لحكومة الإنتفاضة تلك ، ورغم إيضاحي بأن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد تقديم مثال ، إلا أن أحد القائمين على موقع إليكتروني يتبع لأحد الكيانات ، والذي لاحظت أنه كان قبل ذلك قد إستحسن مقالاتي وبدأ ينقلها من مواقع أخرى ويدعم بها صحيفته الإليكترونية، إلا أنه توقف فجأةً عن ذلك لأن تشكيلة الحكومة التي أعلنتها لم ترض طموحه وطموح كيانه، ولم يكتف بذلك بل أسرها في نفسه إلى أن أفرغ شحنته وضغائنه ضدي عندما وجد مجالاً لوضع تعلقيات أسفل المقالات، فنهض وبأسماء مستعارة يشتم ويلفق الكلام ضدي ويضعها كتعليقات على مقالاتي. ثم إستعان في الشتم بإثنين آخرين. إنه مرض العصبية. ليت قومي يعقلون. (7) قلنا إن حمدين صباحي لديه نقطة ضعف سوف تعجل بسقوطه في حال أصبح رئيساً لمصر. فلقد إستطاع حمدين صباحي أن يجذب قطاعات عريضة من المجتمع المصري بخطابه الجميل: ذلك الخطاب الذي طربت له أفئدة الفقراء ومحدودي الدخل، الخطاب الذي إشتمل على شعارات الإشتراكية والعدالة الإجتماعية. كلام حقاً جميل. لكن الإشتراكية الفورية التي ينتظرها أنصار صباحي تحتاج إلى دولة غنية ذات موارد ممتازة لكي يتم تطبيق العدالة الإجتماعية العاجلة. ومصر التي تعتمد على التجارة والسياحة في إقتصادها لا تصلح أرضيتها الإقتصادية هذه لتطبيق الإشتراكية بتلك الطريقة. فحامدين صباحي سوف يلجأ إلى زيادة الضرائب على الشركات حتى يساعد بها الفقراء، وهنا تحديداً سوف تبدأ المشكلة في الظهور. صحيح أن تلك الضرائب على الأغنياء هي واحدة من أهم وسائل المساواة بين فئات المجتمع . لكن التجارة المصرية التي كانت ترضع من ثدي الدولة - وليس العكس - في ظل النظام السابق سوف تقاوم هذا السلوك الجديد الذي لم تألفه من قبل. والرئيس الجديد حمدين صباحي لن يتدرج في فرض السلوك الجديد لأن المواطن لا يستطيع الإنتظار، لأنه خارج لتوه من غبار المعركة (الثورة) والبلاد في حالة من الإضطراب ومنهك جراء الولادة القيصرية للثورة. كذلك ، فإن قطاع السياحة الآن يلملم أطرافة ليدخل الخدر بعد أن برز إلى السطح النوع المأزوم ، وطفحت شوارع الأسكندرية وشرم الشيخ والجيزة والأقصر بأصحاب اللحي المرسلة الذين لا يسر منظرهم السائحين ولا هم يستأنسون. فمن أين لصباحي بالمال بصفة عاجلة ، بينما برنامجه يحتاج إلى زمن طويل؟ ولذلك قلنا إن جمهوره مؤقت وشعبيته آنية. أها .. وبعدين؟ هل تذكرون رومانو برودي رئيس وزراء بلاد الطليان بين الأعوام 2006 م وحتى 2008م؟. ياهو ذاتو حامدين صباحي .. فلقد حقق رومانو برودي فوزاً مستحقاً على برلسكوني بذات الشعارات الإشتراكية البراقة. لكنه أضطر للإستقالة في أقل من عامين وعاد برلسكوني الرأسمالي من جديد. لأن الإقتصاد الإيطالي ملئ بالفساد التجاري كحال تجارة مصر. سوف يعم الإحباط الشارع المصري بعد عامين. ولسوف يصب جام غضبه على الرئيس الذي إنتخبوه ولسوف يضطر الرئيس صباحي إلى مغادرة مقعده قبل أن يكمل دورته الرئاسية، إلا إذا بحث عن جمهور لديه عقيدة سياسية يصبر عليها وليس فقط جمهور المنفعة الإقتصادية.. وهذا الجمهور عند الإخوان والسلفيين ، و أية حكومة في مصر محتاجة إلى دعم هذا الجمهور لكن الشعب المصري ليس محتاجاً إلى أن تحكمه قيادة هذا الجمهور مباشرةً، على الأقل في هذه المرحلة . فمن هو الوسيط بين هذا الجمهور وبين الحكم؟ أبو الفتوح في الإنتظار أبو الفتوح يشبه صباحي في نواحي عديدة .. وحظوظه مثل حظوظ صباحي تماماً ، وكان سوف يحل في المرتبة الأولى لو لم يقرر تنظيم الإخوان المسلمين دخول الإنتخابات طرفاً عبر مرشح يخصهم. فأبو الفتوح لو كان قد حصد أصوات الإخوان أيضاً ، ما كان محتاجاً إلا إلى نسبة ترجيح في حدود 10% ليضمن الفوز في جولة الإعادة .وهذه النسبة الترجيحية سوف تأتيه من الأصوات التي كانت قد ذهبت لحامدين صباحي وجزء من جمهور عمرو موسى في الجولة الأولى. وبعد عامين فإن المحبطين من الرئيس صباحي سوف يتجهون لأبي الفتوح.. لكن إذا ضمن صباحي أبا الفتوح إلى جواره فسوف لن ينكشف ظهره ، وذلك بفضل أصوات اليمين الملتزم بتوجيهات تنظيماتها المتعاطفة مع أبي الفتوح. إذاً أبو الفتوح هو الوسيط بين جمهور اليمين وبين الحكم. مرة أخرى نقول: تقارب المعتدلين يمين و يسار هو المخرج من الأزمة المصرية .. كما هو المخرج من الأزمة السودانية.