مزارعٌ في جزيرة توتي اعتاد على قطف ثمار شجر الليمون من بستانه كل صباح ، يقطفها ليبيعها في أسواق الخرطوم فيكون الليمون أوّل ثمار رزقه ، بعدها يضرب في الخرطوم بحثاً عن الرزق إنْ كان في الرزق باقٍ... هذا المزارع كان يستمع في بستانه كل صباح من الراديو لموسيقى تبعثها (صفّارة) حتى صارت هذه الموسيقى للمزارع تحيّة الصباح أو موسيقى تصويرّية لكدّه من أجل الرزق... وذات صباح فاض ليمونه عن المعتاد فذهب إلى دار الإذاعة وقال لحارس الباب : عليك الله وصّل الليمون دا للزول بتاع الصفّارة! الآلة كانت هي الفلوت وكان الموسيقار هو حافظ عبد الرحمن ، لكنّ المزارع لم يكن يعرف اسم الآلة ولا اسم الموسيقار وأظنّه لم يكن يريد أنْ يعرف ، فقد اكتفى بارتباط تلك الموسيقى بقطف الليمون! موسيقى حافظ عبد الرحمن عندما تنبعث من أثير امدرمان أو من شريط كاسيت أو اسطوانة سى.دي. تنبعث معها موجات كهرومغناطيسيّة في وجدان السودانيين ، مَنْ يستمع لمعزوفةٍ منها ب(شفافيّة) لنْ يكون مؤهلاً لاقتراف خيانة وطنيّة! حافظ عبد الرحمن يذهب إلى السودانيين أينما وُجَدُوا خارج السودان لكنّه حينما يلتقي باحتشادٍ لهم في مسرح أو صالة موسيقى يكتشف أنّ في ذلك الاحتشاد غير سودانيين يفهمون العاميّة الموسيقيّة السودانيّة ، فلحافظ زبائن (غير سودانيين) اوروبيين وعرب وأفارقة ، لذلك فقد حمّلته الأقدار مسئوليّة موسيقار بدرجة سفير! في سيرة حافظ الذاتيّة تأشيرات بأنّه و(فلوته) جابا المسارح والصالات الموسيقيّة خارج السودان أكثر من المسارح السودانيّة خصوصاً الاوروبية والأمريكية ، ولذلك فقد قََدّمَ الموسيقى السودانيّة إلى شعوب غير قليلة... ومَنْ تشغلهم عالمّية الأغنية السودانية عليهم أنْ يمنحوا الموسيقى البحتة الفرصة الكافية ، عندها سينفتح الباب طوعاً لا كرهاً لدخول الموسيقى السودانيّة المُغناة إلى الآذان العالميّة! مساء اليوم الثلاثاء يشهد مسرح صالة (اورانيا) ببرلين ليلة موسيقى سودانية ، يقدّم فيها سفير الفلوت حافظ عبد الرحمن أوراق اعتماده للشعب الألماني... وربّما يمنحه أحدهم ما منحه له مُزارِِع توتي ، مع ملاحظة أنّ ليمون توتي ليمون طبيعي ، بينما الليمون الالماني أنتجته الهندسة الوراثيّة