نقيضاً لحركة التاريخ تتوغل مصر بانتخاب مرسي رئيساً في الالتباس السياسي والغموض. مرسي ليس رهان الثورة. هو في الوقت نفسه أحد ألد خصوم جهاز الأمن القابض على مصير الدولة.ولاية الرئيس المنتخب لا تسدل ستاراً على عسكرة الجمهورية. بانتخاب مرسي أنهت مصر حكم الفرعون غير أنها انتقلت إلى عهد الاخوان مكتب الارشاد السلطة العليا للإخوان يشكل مرجعية الرئيس الجديد وبه يأتمر.مرسي يستهل عهده مجرداً من الصلاحيات الرئاسية والمرجعية الدستورية والآلية البرلمانية. مكشوفاً من أي جدار مؤسسي في الدولة يواجه الرئيس المنتخب رئاسة الأركان. القيادة العسكرية استثمرت ارتباك القوى السياسية إبان الثورة والمرحلة الانتقالية فنصبت نفسها مرجعية عليا للشعب والوطن.في خضم الارتباك المنسدل إلى مرحلة ما بعد الانتخابات لايزال العسكر هم القابضون على زمام الأمور. كما في العهد القديم ينفتح المعبد التاريخي مجدداً للاشتباك الفرعوني بين الكهنة والعسكر.في نفق الغموض والالتباس السياسي لن يرتضي مكتب الإرشاد البقاء على شرفة الفرجة ومن ثم لن يفسح المسرح للعسكر. مثل هذا الاشتباك يزيد الارتباك السياسي في مصر وهو اشتباك حتمي. قادة الأركان لن يتنازلوا عما هو تحت قبعاتهم من سلطات سياسية.من مفارقات الارتباك السياسي المصري في المرحلة المقبلة اصطفاف العسكرتاريا في موقع الدفاع عن الدولة المدنية. هو التباس يشط في المفارقة إذ يصطف قادة الأركان في وجه الرئيس المدني المنتخب.بما أن مرسي ليس رهان الثورة، فمن الصعب بقاء اصطفاف قوى الحراك السياسي وراءه. الأقرب إلى الواقع تآكل الجدار المساند لمرسي إبان الانتخابات. الثورة دائماً تأكل بنيها. مرسي ليس ابن الثورة. مكتب الارشاد لا يدرك فقط كنف الالتباس والغموض، بل يستهدف كذلك الاستثمار فيه. الانتخابات اسبغت على الجماعة ممثلة في ذراعها الحزبي الحرية والعدالة مشروعية. دخول قصر الرئاسة يتيح فرصة وضع مشروع الجماعة السياسي على الأرض.مكتب الارشاد يدرك مغبة الاصطدام بقادة الأركان أو الاستسلام لهم. تجربة الثورة كشفت افتقار الجماعة القدرة على المناورة. كما الضغط يولد الانفجار، فإن الحرمان يلهب الرغبة في الهيمنة.من الممكن الرهان على شخصية الرئيس المنتخب للخروج بالدولة من نفق الاصطدام المرتقب فيما لو أبان مرسي مهارات قيادية وبراعة سياسية. الكاريزما الشخصية تلعب دوراً في عبور الشعوب المراحل الحرجة أحياناً. من الصعب التعويل على كاريزما مرسي، لكن من العجلة اليأس من قدراته على تفكيك صراع الأخوان والعسكر.