* كنت واحداً من ركاب الحافلة المتجهة يوم السبت الماضي من موقف جاكسون في الخرطوم إلى حيث اسكن في امتداد ناصر.. وعندما مر علينا «الكمساري» للتحصيل قدمت له ورقة بفئة جنيه واحد وانتظرت الباقي «30» قرشاً .. ولكن الشاب ناولني قطعة نقود بقيمة «20» فطالبت بالباقي «عشرة قروش». ? وعندما تكررت مطالبتي بالعشرة قروش لحظت ان بعض الركاب ينظرون إلى شخصي شذراً وكأن لسان حالهم يقول «عمكم ده جحمان.. يعني شنو عشرة قروش» .. ? ولكنني لم آبه بتلك النظرات المستنكرة وصممت على استرداد «حقي» -العشرة قروش- رغم ان الكمساري قد اعتذر بعدم «الفكة».. قبل نحو عشرة أعوام كانت تعرفة حافلة الخرطوم- عموم- بري لا تتجاوز «40» قرشاً ثم ارتفعت قبل سنوات قليلة إلى خمسين وفي الاسبوع الفائت إلى 70 قرشاً - والآن نخشى ان تتحول إلى «80 قرشاً» بنهج سياسة الأمر الواقع «ما فيش فكة».. ? عندما ترجلت من الحافلة عند سوق بري «4» لحق بي راكب شاب يبدو انه تابع ما جرى في الحافلة وقال «يا خال والله عندك حق.. كان علينا جميعاً ان نحتج كما فعلت .. الناس بقوا سلبيين وما بيطالبوا بحقوقهم».. ? سلبية الغالبية من المواطنين وعدم اهتمامهم بالتدقيق والإصرار على الاسعار والخدمات تتضح ملياً في الاسواق خاصة في البقالات الكبيرة وفي دكاكين الاحياء فبالنسبة لغالبية المتسوقين السودانيين فإن الاحتجاج على اسعار السلع والخدمات «عيب» وكنت واحداً من اولئك السلبيين إلى أن تعلمت درساً من خواجة قبل اكثر من ربع قرن من الزمان.. ? فعندما كنت أعمل في ابوظبي حينذاك دخل على البقالة المجاورة لسكني رجل طويل القامة بدا من سماته انه بريطاني الجنسية وتناول عجين فول سوداني «دكوة» واستفسر عن السعر وعندما علم ان قيمته «4،5» دراهم قال الخواجة : «الزبون» الذي يكون دائماً على حق كما سار المثل (في البقالة المجاورة سعره 4 دراهم).. ? وهنا ارتبك البقال وأخذ يتمتم «حسنا ادفع 4 دراهم» ولكن الخواجة النصيح رفض العرض الأخير وأعاد العبوة إلى الرف قائلاً «: لا يمكنني ان اشتري من بقالة تغش الزبون».. ? رغم انفتاحنا على المجتمعات الأخرى الواعية عبر وسائل الاعلام المختلفة مثل التلفزيونات والانترنت- إلا ان ثقافة الاحتجاج ما زالت ضعيفة عندنا في السودان.. فكيف ينصلح الحال! خاصة في ظل ارتفاع اسعار السلع والخدمات هذه الايام العصيبة..