وجاء شهر رمضان الكريم .. ما أن يهل هذا الشهر الكريم حتى تزدحم الأسواق بالمواطنين وكأن رمضان قد جاء (فجأتن) كما الخريف الذي يأتي عندنا كذلك ، عندما تشاهد الناس في الأسواق تعتقد للوهلة الأولى أن حرباً وشيكة سوف تندلع وأنهم يشترون كل هذه (الكميات) من مختلف المواد الغذائية لتخزينها كتموين للتزود به أثناء فترة حرب. وبناء على نظرية العرض والطلب يجدها التجار الشطار فرصة لرفع الأسعار (الأصلها في السماء) وتنظيف جيوب المواطنين التي تمت نظافتها قبل أسابيع قلائل بواسطة مجانية التعليم ومستلزمات المدارس . يبدأ شهر رمضان ومن أول يوم تتحول الأفواه إلى (مسدسات سريعة الطلقات) فما أن تتحدث مع أحدهم إلا ويرشك (بي مجموعة) من ألألفاظ التي لا تخطر على بالك (ما هو صائم وروحو محرقاهو وكده).. ولو قدر لك أن تتأخر في العمل وتتجه نحو منزلك قبل أذان المغرب بقليل (ففيها تصل وفيها ما تصل) إذ أن الشوارع تنقلب إلى رالي سباق لا يستطيع بطل الراليات (شوماخر) أن ينافس فيه ويمكنك بكل سهولة ويسر أن تحدد أيهما أسرع الأكسنت أم البرادو أم الأسكودا أم التايوتا ، وتصبح إشارات المرور مجرد أنوار زينة من العبط والسخف الالتزام بها . أما بالنسبة للأكل و(السفسفة) فشهر رمضان يمسك فيه معظم الصائمين (المرطبين) عن شهوة البطن قبل الفطور فقط أما أثناؤه وبعده فتمتلئ أمعاءاتهم حتى التخمة بأصناف من المأكولات (الشهية) والعصائر (النقية) والفواكه (البهية) والحلويات (الشامية) ثم الشاي والقهوة لزوم الهضم وتنشيط الكبد والغدد (الليمفاوية) على إفراز عصارات لهضم هذه الكتل من الجمادات والسوائل والغازات غير المتجانسة والتي تبقى بقاياها على الموائد لترمى بعد ذلك في أكياس النفايات بينما هنالك من يبحثون عن لقمة خبز يسدون بها رمقهم . أما التلفزيون والقنوات الفضائية (فده كوم تااانى) فلكل قناة فضائية او أرضية جمهور متفرغ ، جاحظ العينين و(مسمر) أمام الشاشة على مدار اليوم ، حيث يتم الإعداد للمسلسلات والبرامج الرمضانية منذ وقت مبكر وكأن هذا الشهر الفضيل شهر تسلية ، و(تكسير وكت) وهاك يا اسكيتشات ، ويا كاميرا خفية ، وبرامج سطحية لا تعالج أي قضايا تمس جوهر وكيان وواقع الإنسان العربي المسلم ، ومسلسلات تطالعك آناء الليل وأطراف النهار وما بينهما حتى بات المشاهد يحتاج إلى ذاكرة إضافية Memory Card لكي يستوعب ويتتبع أحداث كل هذا العدد المهول من المسلسلات التي تبثها هذه القنوات .. شئ مسلسلات (مصرية) وشئ (سورية) وشئ (خليجية) وشئ ما عارف شنو؟ أما دولاب العمل فيتم قفله بالضبة والمفتاح وتتحول المكاتب إلى (عنابر نوم) يتسابق فيها الجميع على كسر الرقم القياسي لموسوعة جينيس وهم (يشخرون) تحت برودة أجهزة التكييف المركزية واللا مركزية حتى إذا استيقظوا قبل صلاة المغرب بقليل وأذن أذان المغرب أفطروا قائلين : (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) ... ايه التعب ده كلو؟ للأسف الشديد أصبح شهر رمضان شهراً لمتابعة المسلسلات واللهو والترفيه والتبضع والتسوق والولائم وكثرة النوم ، نعم لم يعد رمضان ذلك الشهر الذي نعرفه ، والذي كان يتميز بالروحانية والتقرب إلى الله تعالى والهدوء والسماحة وتطهير النفس من الذنوب والابتعاد عن الانغماس في الملذات ، ذلك الشهر الذي تربط فيه شياطين الجن وتخجل فيه شياطين الأنس !! كسرة : هذا المقال ينشر سنوياً في هذا التوقيت أملاً في تدارك هذه السلوكيات والمظاهر السالبة المصاحبة لهذا الشهر الفضيل ! لكن حكمة الله القصة ماشة زايدة !!