هذه قصص وتجارب عشتها بنفسي، ولن أبدأ بالتجارب القديمة فهي ستأخذ مساحات واسعة، ولكني فجأة قررت ان أتحدث عن آخر تجربة عشتها وما زلت أعيشها مفعولها املؤلمة، وكتبت عنوان هذه السلسلة بعنوان (نحن والردى) لأجذب القراء حول ديوان الشاعر الراحل العظيم صلاح احمد ابراهيم. لم أكن أعاني من أي شي ولم أذهب الى الطبيب مرة واحدة واكثر شئ انني مصاب بمرض السكري. لقد سافرت كثيرا والى معظم بلدان العالم ولكني اخشى الذهاب الي الأطباء لمراجعة تطورات السكري. والذي رسخ في قناعتي بعدم الذهاب الى الأطباء انك ستخرج مليئاً بالهموم جاء ذلك بعد زيارة الى المانيا وكلفني أحد الاصدقاء ان جلب له معي حبوب داونيلين لانه مصاب بالسكري والمفاجأة الكبرى لم اجد في ثلاث مدن المانيا الكبيرة بل المدهش قالوا انه لا يعرفون هذا الدواء ولم يسمعوا به من قبل.. قلت للصيادلة الذين التقيتهم انه صناعة المانية وايضاً اكدوا لي انهم لم يسمعوا به من قبل. من المانيا عاودت الى قاهرة المعز وليتني لم أزرها في تلك المرة فقد التقيت الصديق الاعز الاستاذ يحي محمد الحسين المحامي والعلاقة بيننا علاقة رفيعة قديمة وصداقة قوية. واصر عليّ ان أذهب معه الى طبيب مصري متخصص ومتميز في مرض السكري قلت له انني مطبق لنصيحة صديقي كمال الجزولي في الذهاب الى الاطباء لان كمال لا يرى ان الاطباء يوهمون المريض باشياء كثيرة وما دام الانسان عاش على بركة الله فلا داعي للأطباء. فتوكلت على الله وذهبت الى ذلك الطبيب الذي تقع عيادته الانيقة في المهندسين وبالتحديد شارع سوريا،وجدت شاباً أنيقاً ووسيماً استقبلني ببشاشة نادرة اسمه اشرف أحد أكبر استشاريي طب الباطنية والسكري في مصر وزوجته تحمل دكتوراة في التحاليل الطبية، يعني زيتهم في بيتهم. والحجز للعيادة في منتهى الصعوبة وأتيحت لنا الفرصة لأن للاستاذ محي الحسين بنت صغيرة اصابها السكري وتتعالج بالانسولين. فحص الطبيب الاول وكتب تقريراً للاستشاري مستصحباً معه الفحوصات الطبية التي تملأ كراسة كبيرة وعرف من الطبيب الاول اني اتعاطى من الداونيلين، ابتسم الرجل وقال لي ان السودان يتمايز بالثقافة فما هذا الذي تستعمله لعلاج السكري، قلت له ألا تكتبه لمرضاك؟ ضحك ضحكة عميقة وقال لي هذا الدواء انتهى من ايام محمد علي باشا وسرد لي قصة السؤال عنه في المانيا مكان مولده قال لي لو ذهبت الى اوروبا كلها لن تجده، وضحك الرجل واعطاني حبوبا جديدة للسكر لم أسمع بها من قبل، حتى وصل الامر أن عرض علي ان أزرع جهازا داخل الجسم لمدة 6 أشهر لقياس السكر دون ان آخذ الانسولين واعتذرت وقلت له لا أتحمل لبس الساعة في معصمي فكيف سوف استحمل جهازا داخل جسدي. وبروف اشرف حولني لطبيب اسنان صديقه والي طبيب عيون صديقه وكانوا جميعاً من اقباط مصر الذين يتميزون بالشطارة والامانة التامة. وبالفعل صدق كلام صديقي كمال الجزولي فقد اصبحت مهموماً بالاطباء الى ان توقفت عن ذلك منذ فترة، وقصصت القصة لكمال الجزولي الذي قال لي ما قلنا ليك ونصحنابالابتعاد عن الأطباء.. لكن اطباء القاهرة وعن طريق الصديق العزيز الياس فتح الرحمن اصبح كمال الجزولي متخصصا في الذهاب الى الاطباء لكن كمال الجزولي يتميز بانضباط حديدي في الاكل الا في التدخين الذي حذره منه الطبيب. واتصل كمال قال له سوف ابطل التدخين، ابتسم الطبيب وقال له هذا قرار متأخر ما حدث حدث التوقف بعد هذه الفترة من التدخين لا يقدم ولا يؤخر يعني واصل التدخين الى ان يقضي الله امر كان مفعولاً. الكارثة الكبرى سافرت الى قاهرة المعز تلبية لدعوة من وزارة الخارجية لافتتاح المعهد الافريقي للإعلام كان معي الزميلان العزيزان الدكتور محي الدين تيتاوي والاستاذ عادل الباز ذهبت ذات امسية الى سيدنا الحسين وفجأة أحسست بألم في الصدر فكان صدري ينطبق عدت لاحقاً واتصلت بالصديق الحاج حسين وهو صديق قديم كان يعمل في الجامعة العربية في بغداد وعلى الفور حجز لي عند طبيب معين. والحاج حسين رجل ذاكر ورجل صالح، ومتزوج صحفية سودانية وهو من اهل ناوا بل شاعرنا الراحل سيد أحمد الحردلو. توكلت على الله وذهبت الى الطبيب وهو طبيب ابن طبيب والده كان في مرحلة من المراحل وزيراً للصحة في مصر. لم اجده وجدت السكرتيرة التي تعاملت معي بلطف وأجرت لي رسماً للقلب، ثم جاء الدكتور الذي من تعامله لم أشعر أنه طبيب ثم كتب ورقة وقال لي قد تحتاج لاكثر من دعامتين او اكثر في القلب اذهب في السابعة صباحاً في المستشفى وادفع 3 آلاف جنيه والدعامتان تكلفان 8 آلاف جيه مصري اذا لم تكن لديك حاضرة سوف تجري العملية في السودان وحدد لي مستشفى بعينها. قلت له اين تقع المستشفى فرد لي بقسوة لا يعرفون المطلوب كله مكتوب في الورق. بالطبع لم تعجبني طريقة اجابته وشعر هو بذلك ثم قال لي هل تعرف الدكتور عمر محمود خالد قلت له قريبي وصديقي، قال والنبي اعطيني تلفونه ولما لم اكن مستحضراً هاتفه هاتفت الصديق جمال الوالي لمعرفتي علاقة القوية ولم يرد جمال لحظتها ثم رد يسألني مالك في القاهرة وحكيت له القصة، قال لي يا استاذ ارجو ان تلغي هذه الاجراءآت وعد الي الخرطوم لتغادرالى العاصمة الاردنية عمان فهى الافضل. وبالفعل نفذت نصيحة اخي جمال ولم ادع الدكتور عدت الى الخرطوم وكتبت في الرأي العام عن تجربة الشاعر الراحل نزار قباني في عملية القلب وبعد ان نقلت له التهاني بالسلامة، قال لي اكيد اعطاك التلفون محمود ويقصد محمود درويش. وسألته عن مفاجآت العملية قال لي اولها خشيت ان يفتح الجراح صدري ولن يجد لي قلبا وقال لي تعلم ان قلبي اخذته الصبايا الجميلات، قلت ألم تسأل الجراح عن أسباب أمراض القلب قال لي انه يصيب الشعراء والصحفيين والعاشقين ورجال الاعمال، قال الجراح قال له هذه عيون النساء اما التجار ورجال الاعمال فيحبون المال وكله حب في حب وسألته هل مات عمر بن ابي ربيعة بالقلب وهو سلطان العشاق قال لي انظر هاتفي مساء نشرت هذا الحديث وفي منتصف النهار وطبيب القاهرة كان في ا لخرطوم فاتصو مدير المستشفى التي تجري عمليات وقال ان الدكتور موجود في الخرطوم واطربه الكلام واعلن تبرعه باقامة العملية مجاناً، قلت له اشكره فقد توكلت على الله وسوف اذهب الى الاردن والموت واحد، سواء في مصر او السودان او واشنطن. اقف هنا وسنواصل بمشيئة الله المرحلة القادمة وهي مرحلة مليئة بالمفاجآت كان ايماني بالله القوى هو الحبل الذي أنقذني ..لان اليوم لم يكتمل وليس لبراعة الجراح او روعة المستشفى.