يعتقد الكثيرون ان وجود القيادات الاسلامية في كل من مصر والسودان يُسّهل المهمة الشاقة لكنني أرى أن الأزمة بين البلدين ذات جذور متأصلة في تراب الدولة المصرية العميقة كما يقولون .... فهنالك ارث ثقافي غير مطروح للنقاش علناً يعبر عن نظرة دونية للسودانيين ممثلة في عثمان ( البواب ) في الافلام والمسرحيات المصرية القديمة والحديثة نوعاً ما التي سجنت اشواق العلاقة الازلية بين البلدين من الانطلاق ... إضافة لتواطؤ خفي لمثقفي البلدين في مناقشة عمق العلاقة بالصراحة المطلوبة و التعرض للقضايا الساخنة بين الطرفين في اطار المسكوت عنه . ربما تحرك الرغبات المشتركة للإسلاميين في دفع العلاقة من منظور المصالح المرسلة بين البلدين اضافة الى اشواقهم في تعميق علاقات استراتيجية تتجاوز الشعارات الفارغة التي لا تفضي الى شيء .... نظراً لتجربة سابقة في نهايات الستينيات من القرن الماضي ... ابان تمدد جذر القومية العربية في الرؤساء ( عبد الناصر ونميري والقذافي ) حين طرحوا تصوراً تكاملياً لم يصمد طويلاً لاسباب يطول شرحها وهذا المقام ليس مناسباً انما العبرة منه تتلخص في ان التوجهات الواحدة في القيادتين ربما تساعد في بناء ارادة سياسية تستطيع انجاز مشروع استراتيجي ما !!!! الناظر في العلاقة بين السودان ومصر يجدها لم تبرح طيلة عقود مضت جهاز المخابرات المصري ... بمعنى ان النظرة للسودان في العيون المصرية نظرة أمنية ..... حيث تعّثر ( البناء الأخوي ) الازلي بين مصر والسودان طيلة فترة العهد المصري البائد الذي ازالته الثورة المصرية المجيدة ... لتضع العلاقة عند محطة ما هو استراتيجي بعيداً عن الهواجس الأمنية والتداخلات الاجنبية التي تعكر صفو العلاقات وتضعها في ثلاجة ( الجمود ) مع ان ما يربط السودان ومصر أكبر بكثير من اية دولة اخرى في الاقليم لحقائق الجغرافيا والتاريخ . زيارة البشير لمصر تأتي في هذا السياق من الاهمية لدور مصر التاريخي للأمتين العربية و الاسلامية ناهيك عن الوزن الاقليمي الثقيل في افريقيا الذي غاب زمناً و السودان على وجه أخص ... لكن ما يزيد وزن الزيارة أنها تأتي في ظرف اقتصادي حرج على كلا البلدين .... مما يحرضهما على البحث الجاد في إمكاناتهما الهائلة سواء الطبيعية التي يمثلها السودان و البشرية التي تمثلها مصر اضافة لقدرتها على جلب أموال لاستثمار كبير لصالحهما. الزيارة وبهذا الوفد الرفيع المستوى ومن وزارات تحقق اغراض التحول السياسي والاقتصادي والثقافي خاصة وان الفرص مهيأة لتنزيل مشاريع بينهما في الواقع المعيش إلا ان كل هذه الضجة الكبيرة تحتاج الى عمل جاد ومدروس بعيداً عن الشعارات الجوفاء أقرب للعمل النافع الصالح وبقدرات ( معقولة ) خارج اطار الحلم الذي لن يتحقق !!! تحتاج الزيارة الرئاسية الى دفع شعبي من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني لوصل العلاقات التاريخية الى مستواها الحقيقي .... فأغلب الشعب السوداني يعرف عن مصر حقائق كثيرة حضارية وثقافية وحتى جغرافية المكان .... في المقابل الكثير من الشعب المصري لا يعرف عن السودان الا قليلاً ... وهنا يأتي دور المنظمات والجمعيات والجامعات وكل ما هو أهلي وشعبي خاصة من أهل الفن و الثقافة ...لتطوير هذا الانفتاح الذي يجب أن تعززه السياسة في حريات أربع وشوارع وإلغاء لتأشيرات السفر مع وصل عميق لثلة المثقفين من غير استعلاء او لغة غير مفهومة للشعبين كافة !!! الزيارة الرئاسية تتجاوز كثيراً البساط الأحمر وعبارات الدبلوماسية الباردة او الدافئة لتدخل في صلب ما هو مطلوب من قيادتين يهمهما تحول حضاري حقيقي من غير شعارات وخارج البساط الأحمر !!!