«صديق في بلاط الملك أفضل من قرش في كيس دراهم».. وليم شكسبير! طلب الحجاج بن يوسف الثقفي رجلاً مذنباً لاعتقاله، وعندما لم يجدوه اعتقلوا أخاه بدلاً عنه ورموه في الحبس، فذهب الرجل يستعطف الأمير، لكن الحجاج قال له هيهات، ألم تسمع بقول الشاعر (ولرب مأخوذ بذنب عشيرة.. ونجا المقارف صاحب الذنب) ؟!.. فأجاب الرجل: بلى يا أمير المؤمنين ولكني سمعت الله عز وجل يقول: (قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيراً فخذ أَحدنا مكانه إِنّا نَراكَ من المحسنين. قال معاذ اللَّه أن نأَخُذ إِلاّ من وجدنا متاعنا عندهُ إِنّا إِذاً لظالمُون)، فأطرق الحجاج قليلاً ثم أمر بإطلاق سراحه!.. لاحظ معي أن الرجل لم يقل للحجاج ستذهب إلى جهنم وبئس المصير وأنا خصيمك يوم القيامة عند الله، بل قرأ بين يديه آية كان في الاستماع إليها خلاصه..! وعندما رأى أحد الملوك في منامه أن جميع أسنانه قد تكسّرت استدعى مفسر أحلام وقص عليه رؤياه، فقال له الرجل على الفور: (كل إهلك سيموتون)، الأمر الذي أغضب الملك فأمر بسجنه، ثم استدعى مفسراً آخر وقص عليه ذات الرؤيا (وكان الرجل يعلم بما حدث للمفسر الأول)، لذلك تصنع الفرح وهو يصيح قائلاً: (أبشر أيها الملك، ستكون أطول أهلك عمراً)، فتهلل وجه الملك وأمر له بمكافأة سخية!.. ومن عجبٍ أن الرؤيا هي الرؤيا وأن التفسير هو التفسير، ولكنها البراعة في حسن التخلص..! في مناهج الطب مادة دراسية كاملة تعلم الأطباء كيف ينقلون الخبر السيئ إلى المرضى أو ذويهم، مع أن المرض هو المرض والموت هو الموت، ولكن طريقة النقل والتبليغ تؤكد دوماً أن هناك فرقاً.. لذلك تحتل مفردة الخطاب السياسي وتصنيفها، ودرجة إشباعها، ومدى تعبيرها عن موقف الدولة ومدى مواءمتها للحدث وطبيعة المخاطب، منزلة رفيعة في فنون الدبلوماسية ومبادئ العلاقات الدولية..! الخارجية السودانية وقفت أمام امتحان لمقدراتها ولدورها (المركَّب) في سياسة إطفاء الحرائق، ومن ثم إصلاح وترميم تداعيات احتجاجات المواطنين على الإساءة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ونتائجها المؤثرة في علاقات بلادنا مع الدول التي تمثلها السفارات المتضررة من هجوم المتظاهرين، مع الحفاظ - كل الحفاظ - على موقف الدولة الرسمي من الفيلم المسيئ. لكن الفرق بين موقف المتظاهرين من السفارات وموقف وزارة خارجيتهم من التداعيات لم يكن واضحاً - أي لم يكن دبلوماسياً! .. ولئن كانت الغلظة في رفض طلب الأمريكيين بإرسال بعض المارينز لحماية سفارتهم مبررة، فما الداعي لتلقين الإنجليز دروساً - لن تقدم بل ستؤخر - كما جاء في احتفائيات بعض صحف الخرطوم التي هللت وكبّرت لسياسة القتل بمرزبة الخارجية في مواجهة بعوض الدبلوماسية..؟! السياسات الخارجية الحكيمة هي معرفة القيمة النسبية للمواقف الدبلوماسية، فما الذي كانت تتوقعه حكومة السودان؟! .. أن يحرق مواطنوها سفارات الناس في بلادهم، ثم توافق حكومات تلك السفارات على المضي قُدماً في خططها لاستضافة المؤتمرات الخاصة بها في بلادها؟!.. ثم، ما الذي فعلته الخارجية السودانية - حقاً - للتربيت على كتف الخارجية الألمانية؟! .. لا شئ يذكر، لأنها كانت مشغولة بتلقين الدروس لنظيرتها الإنجليزية..!