اسفت جدا لمستوى النقاش الحار الذي دار في برنامج الاتجاه المعاكس الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية الاسبوع الماضى حول الدراما التلفزيونية المصرية والسورية، وكان عنوان الحلقة المنافسة بين المسلسلات المصرية والسورية والخليجية، واستضاف كل من عاطف حزيّن مساعد رئيس تحرير صحيفة (الأهرام) المصرية، والمخرج السوري السيد يوسف رزق. النقاش انحدر الى مستويات دنيا من الاختلاف في وجهات النظر التى تحتمل الخطأ والصواب، ودخلت السياسة بخلافاتها الصاخبة الى ساحات الحوار الثقافي الذي يقتضى بالضرورة احترام الآخر، وكشفت الحلقة اننا في البلدان العربية لا نجيد ادب الخلاف ونمتلك طاقات تدميرية هائلة نوظفها ضد من يخالفنا الرأى ونمتاز باطلاق الاحكام النهائية حتى ولو في شأن ثقافي يحتمل الاخذ والرد ولا يؤمن بالقطعيات والمسلمات وانما يؤمن بالفرضيات الباحثة عن تحققها. اعترك الضيفان وعلى الهواء مباشرة حول قضايا هامشية وتبادلا شتى انواع السباب دون ان يلتزما بعنوان الحلقة المنافسة بين المسلسلات، بل كان الاجتهاد في ان الدراما المصرية هي الافضل ام السورية، وكل من شاهد الحلقة يخيل له من الوهلة الاولى ان هناك فريقين لكرة القدم باسم الدراما المصرية والدراما السورية يتنافسان للحصول على كأس البطولة. فالدراما عمل ابداعى لا يقاس بالمعايير العادية مثل افضل واكثر انتشارا واكثر شعبية، أما الحديث عن تراجع الدراما المصرية مقابل تقدم الدراما السورية في الموضوعات وليس في المطلوبات الفنية للانتاج، فهو كلام قد يكون مفيدا لطبيعة البرنامج التى تركز على الاختلاف والخلاف في الرأى، ولكن الحقيقة والتى لم يتطرق لها الضيفان طوال عراكهما الطويل، ان تراجع الدراما المصرية من حيث الموضوعات التى تتناولها والتى صارت مكررة هو تطور طبيعى ومرحلة (شيخوخة) وصلتها الدراما التلفزيونية المصرية التى سبقت كل الدرامات العربية واستنفدت الموضوعات في الساحة المصرية عكس الدراما السورية الحديثة نسبيا والتى لجأت في اغلب المسلسلات الكبيرة الى الفنتازيا التاريخية التى بها اسقاط على الواقع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والفنتازيا بحر واسع ومتجدد نهلت منه ولا تزال الدراما السورية واعطاها التميز. ليت الاخوة في مصر وسوريا كفوا عن هذا العراك غير المفيد فلا الدراما المصرية افل نجمها ولا السورية يمكنها ان تحتل موقع المصرية وانما لكل دراما ملامحها وتميزها، والدراما التلفزيونية تستمد بريقها من خصوصية المجتمع، والا لما تفوقت الدراما التلفزيونية المكسيكية على الامريكية رغم امكانيات امريكا وسجلها السينمائى المتفوق.