من عجائب الثورات أن لها ألف أب ولكن لها تاريخا واحدا كما حدث في اكتوبر 1964 حين تكالب عليها اليمين واليسار وجامعة الخرطوم فجعلوها ثورة حمراء وجعلها محمد المكي ابراهيم خضراء ولكن من دون قمح أنتجته فقد ذهبت بعيدا فلم تصبح ثورة شعب ولا مثقفين .. و تفرج أساتذة جامعة الخرطوم بمن فيهم الترابي نفسه على الأحزاب وهي تتجادل لتتقاسم(نبقة) الثورة.. وذهب القرشي الى مقبرة(القراصة) بكته الخرطوم وهي مغمضة الفؤاد وافتقده أهله شابا كان يمكن ان يصبح عالما او مثقفا ما رغم ان الثورة قامت على جرح استشهاده وإن حاول البعض قبل مدة في العام الجاري او الذي سبقه لا أدري من إعادة طبخ المشهد وادعوا شهداء واحدا واثنين ولكن لم تسقط الإنقاذ وانما سقطوا هم ومن معهم. لم أكن حينها في عمر يميز الثورة فما زلت طفلا يتدثر بأصبعه على فمه ويرتمي في حضن أمه ولكن الثورات تفرج عن حقيقتها بعد ما يزيد عن العقد ويزيد بسنوات فيكتب عنها وتكتب عن رجالها.. اكتوبر كانت ثورة شعب سرقتها الاحزاب التي تصارعت على السلطة فسلمتها لسرالختم الخليفة رغم وجود قادة الحركة الوطنية احياء غلبوا الانجليز وغلبتهم شهوة السلطة وكيمياء التفاعل مع المحيط بأجهزة مخابراته الأجنبية التي كانت تجد في أرض السودان فضاء واسعا للتحرك فيه دون حسيب او رقيب..وحينما اكتشف الشعب ان ثورته قد ضاعت احتمى بالهتاف لعبود(ضيعناك وضعنا وراك).. وعبود كان رجلا وعسكريا له بصمة في تاريخ السودان الذي كلما أتى عهد جديد وثب ممزقا تاريخ ما قبله حتى ان اكتوبر الآن لا احد ينسبها اليه وان قفز اليسار ليضعها في حوزته وهي تتململ وتبحث عن الشهيد عبد الحفيظ وعن القرشي نفسه الذي كشف انه لا انتماء سياسي له .. لذلك فان كل الثورات بما فيها مايو وحركة حسن حسين وغيرها يصبح تاريخها باهتا ،لا أحد يذكره حتى محاولات وردي لاحياء اكتوبر عبر الأناشيد هي مجرد ذكرى يترنم بكلماتها جيل الستينيات وهم يتذكرون بعض تلك الساعات والجميع بمن فيهم طلاب جامعة الخرطوم لا يتذكرون من الثورة الا رائحة البمبان وقصيدة الرائع عمر محمود خالد(يا سيدة لا). أكتوبر في ملحمة هاشم صديق الذي أظنه يعاتب لحظات انفعاله تلك بعد ان رأى الثورة يسرقها من كانوا في بيوتهم ومن كانوا خارج نص القصيدة حين تفجر غضب الامة او كما وصفه صديق و(غضب الأمة اتفجر نار).. وانطفأت النار وبلا رماد.