صفحات التاريخ لا تحتفظ فقط بأسماء الذين كانوا يملكون القوّة العسكريّة أو القوّة الماديّة، فهذه الصفحات تحتفظ فى أحيانٍ كثيرةٍ جدّاً بمن لم يكن يملك هذه القوّة أو تلك لكنّه امتلك قوّة أكبر منهما، قوّة التأثير التى تبلغ أحياناً قوّة الجاذبيّة الأرضيّة! ربّما لا يسمع كثيرٌ ممّنْ تقع أعمارهم تحت الثلاثين بالشيخ الجليل عبد الحميد كِشْك، ذلك الإمام الذى احتل مساحة كبيرة فى الحياة المصريّة وامتدّ أثره إلى خارجها... صوتٌ كان ينطلق يوم الجمعة من مسجدٍ صغير بحدائق القُبّة بالقاهرة لكنْ بعد ساعات تنتشر خطبته فى كل محافظات مصر، وبعد أيّام تنتشر خطبته فى كل العالم، لكنّ الأكثر إدهاشاً أنّ أكثر الناس حرصاً على سماع خطبته كانوا هم منسوبي جهاز أمن الدولة! هذا الشيخ فَقَد بصره فى طفولته الأولى، وبعد إكماله دراسته الأزهرية عرف طريقه للمنابر فكان فارسها، صوتاً للحق طوال سنوات السبعينيات والثمانينيات، تزحف إلى مسجده الآلاف قبل صلاة الجمعة فيصبح المسجد كامل العدد قبل الصلاة حتى يُضطر الآخرون لاحتلال الشوارع المحيطة بالمسجد فتتعطل الحركة حتى تنقضى الصلاة! تتحدّث الأخبار بأنّ مُسَلسَلاً تلفزيونيّاً ستنتجه شركة انتاج عن الشيخ كِشْك وعن أيّامه وتأثيره منذ أنْ وُلِدَ بقريّة شُبراخيت بمحافظة البحيرة وحتى وفاته بعد أنْ حقّقَ الله له أغلى أمنياته، أنْ يموت فى الوضع ساجداً! سيقوم بدور الشيخ كِشْك الممثل خالد صالح الذى اتهمه البعض بأنّه يقوم بهذا الدور ليقترب من الإخوان المسلمين، وأنّه ما كان يقبل هذا الدور لو كان الإخوان خارج السُلطة، لكنّ خالد صالح يقول انّ الشيخ كِشك شخصية ثريّة دراميّاً وأنّه لن يضيف للشيخ ولكنّ الشيخ هو الذى سيضيف إليه! عائلة الشيخ كِشْك ترفض انتاج المُسلسل احتراماً لوصيّة الشيخ، إلا أنّ الشركة المُنتِجة تتمسّك بحقها فالشيخ كِشْك مِلكٌ لمصر وليس لعائلته أو وصيّته... وهكذا الشيخ عبد الحميد كِشْك يملأ الدنيا ويشغل الناس حيّاً وميّتاً... فارسُ المنابر المغوار الذى كانت أجهزة الاستخبارات لا تهدأ إلا بهد إنتهاء جُمعته وانفضاض جمعيّته وانصراف جماعته!!