تنجح الاتفاقات الثنائيّة سواء جَرَتْ تحت رعاية الأممالمتحدة أو تحت رعاية منظمة إقليميّة أو بلا رعاية، تنجح بعد جولة أو جولتين من المفاوضات، وإنْ طالتْ المفاوضات تستغرقُ ذهاباً وإياباً لكنّها تنجح في النهاية... تنجح لأنّ المنشار بوسعه السير على خشب الاتفاقية مهما كان نوع هذا الخشب، يستطيع المنشار تقطيع ونجر خشب الاتفاق فلا يبقى غير نُشارة الخشب... إلاّ منشار أديس أبابا! منشار اتفاقيّة أديس أبابا يستطيع القيام بوظيفته في كل خشب الاتفاق، في النفط، والتجارة البينيّة، وحركة الإنسان والحيوان، والنقاط الحدودية المُختلف عليها والمُدّعَاة، لكنّ هذا المنشار لا يستطيع السير في قطعة واحدة من هذا الخشب: قطعة الفرقتين التاسعة والعاشرة! منذ أنْ أطلتْ على المشهد اتفاقية أديس أبابا (27/ 9) بنصوصها اندفع في التهويل من نتائجها مفاوضو الطرفين، وكنّا نعد هذا الاندفاع هرولة محمودة من الطرفين وراء مصالح البلدين، وأسعدنا ذلك حتى نُخاع عظمنا... لكنّ ما أزعجنا أنّ وفد السودان لا يرى في خشب الاتفاقية عُقدةً سيصعب على المنشار السير فيها، عُقدة الفرقتين التاسعة والعاشرة باللغة العسكريّة أو عُقدة قطاع الشمال بالمفردات السياسيّة! في تلك الأيام كانت ردهات فندق شيراتون بأديس أبابا ترسل إلينا التطمينات المتتالية بأنّ حكومة الجنوب والحركة الشعبيّة التي تديرها قد وافقت على فك علاقتها بقطاع الشمال فتأخذنا رعشة السعادة، ثمّ تتحوّل هذه الرعشة إلى رعشة قلق عندما لا نرى ذلك في خشب الاتفاق! لم يكن كثيرون في كامل اطمئنانهم بعد تلك التطمينات، ليس لأنّ الرئيس سلفا كير يمكن أنْ يرتد عن اتفاقه، ولا لأنّ (العواليق الثلاثة) لقطاع الشمال لهم تأثير على الحركة الشعبية قطاع الجنوب، لكنّ قلقنا كان لأننا نرى العُقدة في سطح خشب اتفاقية أديس أبابا! تصريحات الرئيس سلفا كير التي قالها في مجلس وزرائه بجوبا عدّتها حكومة السودان رجوعاً إلى الوراء، ورآها المؤتمر الوطني شروعاً في خرق الاتفاقية... أمّا نحن ومعنا آخرون فلم نغضب، فقد كنّا نرى العُقْدة في الخشب، ونعلم ماذا سيحدث عندما يسير المنشار على العُقْدَة!!