رنّ جرس هاتف صديقى المحامى بنغمته المعروفة وهى نغمة موسيقى أغنية المرحوم وردى: عذّبنى وزيد عذابك... نظر صديقى المحامى إلى شاشة هاتفه فظهر له رقم غير مالوف، ومع ذلك استجاب لنداء العذاب فسأله محدّثه بعد تحيّة سودانيّة تيك اواى: الجلابيّة جاهزة؟... وبعد سوء تفاهم انقلب إلى تفاهم تبيّن أنّ المتصل زبون لترزى بلدى، أسندَ له تفصيل جلابية ثمّ نسى الموضوع برمته لأسابيع وتذكّرها فجأة فاتصل بنمرة الترزى فضغطت انامله غير الرقيقة على رقم صديقى المحامى! الناسوخ يمكن له أنْ يستنسخ قصصاٌ ليس لها حصر على هذا المنوال، أكتفى منها بواحدة أخرى... صديقى الآخر الذى يعمل فى منظمّة دولية لها مكتب بالخرطوم أُضطرَ إلى تغيير رقمه وتغيير شركة الاتصال التى يتبع لها هذا الرقم بل تغيير نغمته بعد أنْ تاكّد له بالتجربة العمليّة أنّ رقمه هذا له نسب ومصاهرة برقم صاحب معمل (باسطة سودانيّة)... كلما يرن جرسه بنغمة يا جميل يا حلو الدم الشربات ومكملو، يفتح الخط فيقول له الطالب بشهيّة مكشوفة: عليك الله يا البكراوى جهّز لينا لغاية المساء صينيتين باسطة مخصوصة بالسمنة البلديّة! رحم الله التلفونات الثابتة وأيّامها وأرقامها التى كانت تُضرب من الذاكرة التى لا تقل دقّةٌ عن دليل التلفونات... الآن نعيش على الأرقام الجوّالة التى تُرِكَت مَهمّة حفظها للذاكرة الالكترونية، فالذاكرة الخاصة تتقاصر عن حفظ أرقام أمه وأبيه وفصيلته التى تؤويه! كثيرون أسندوا إلى ذاكرة جوالاتهم مهاماً أخرى غير أرقام التلفونات، يخزّنون فى جوالاتهم أرقام جوازاتهم ورقم رخصة قيادتهم وأرقام سياراتهم ورقم عدّاد الكهرباء ورقم قطعة أرض اشتراها بمالٍ أغلب الظن أنّه حلال... زميلٌ فى المهنة قال لى انّه اتّصل ذات مرّة برقمه الوطنى! لكنْ كله كوم وحكاية صديقى المحامى وصديقى فى المنظمة الدولية (دوت كوم)... لدرجة اننى أخشى أنْ تتسع الحكاية، فتتسرّب إلى الأيادى أرقام جوالات الوفد الحكومى لمحادثات اديس ابابا، فيتصل مواطن منبرى بمن يظنّه أنّه عضو بالوفد، فتستقبل شركات الاتصال لأوّل مرّة بلاغات تقع تحت طائلة العنف السياسى!!