بعد أنْ انهمرت على القرّاء الصحف، وتنذرنا سماء الخرطوم بهطول صحفٍ غزيرة، لم يبق غير صدور الصحيفة الغائبة... الصحيفة الغائبة هي صحيفة (الارشيف)! تعيش الصحيفة مع الناس حياتها القصيرة بين شروق الشمس حتى غروبها، بعدها تقضي حياتها الطويلة في ارشيف الصحف أو ارشيف الإنترنت... الصحيفة تخرج إلى السوق كأنّها تموت غداً، لكنّها تعيش في الارشيف أبداً! إذا بحثت داخل الارشيف عن قطعة صحفية تستحق إعادة الصدور ستكون هذه القطعة أحياناً مادة للقهقهة... قد تضحك فيبدو طقم أسنانك حين تلتقي في الارشيف بخبر نيل حكومة السودان قرضاً العام (1964) من الاتحاد السوفيتي بمبلغ عشرة ملايين من الجنيهات السودانية، وفي ذات العام باعت ميناءها النهري بخمسة عشرة مليوناً... وانّ وزارة المالية العام (1959) منحت للعاملين بدل غلاء معيشة عشرين قرشاً! يصلح الارشيف مادة مدرّة للدموع... تقرأ بالارشيف مانشيتات أخبار من صحافة العام (1968): الحزب الإتحادي الديمقراطي يناقش قضية توحيد الحزب، والصادق يواجه عمّه الإمام بحملة انتخابية ترتكز على السندكالية، وحزب (سانو) يحدّد سقفه الأعلى بالفيدرالية... ومنظمة (سوني) تندد بالإخفاق في حفر آبار مشروع مكافحة العطش بدارفور! الارشيف يمكن أنْ يكون من مصادر الجنون حين تقرأ به كتابات لبعض كُتّاب وصحفيين يعيشون معنا اليوم، نقرأ لهم ما يعيد السواد للشَعر الأبيض، أسماء تكتب الآن عن أحدث صيحات الحرية وآخر تفصيلات حقوق الإنسان، وتعرض آخر الملابس الجاهزة لليبرالية بينما يفصح الارشيف إنّهم كُتّاب انقلابات وصحفيو مسيرات تأييد... أيّدوا ضرب الجزيرة أبا ويعارضون اليوم ضرب بيض الدجاج بمضرب البيض! في المنتديات السودانيّة سؤال منسوخ: إلى أين نحن سائرون، وهل نحن في السودان نتراجع إلى الأمام أم نتقدّم إلى الخلف... ولن تستطيع الإجابة على هذا السؤال المُرَكّب إلاّ إذا صدرتْ صحيفة (الارشيف) وكنت من قرّائها! من حق الارشيف التقديم إلى مجلس الصحافة بطلب إصدار صحيفته... صحيفة (الارشيف) إذا صدرت ستنال المركز الأوّل في التحقّق من الانتشار... حريّة الصدور حقٌ مشروع لصحيفة (الارشيف)، فحريّة الصدور لنا ولسِوانا، والارشيف هو (سِوانا)!!