والعام 2012م يطوي أيامه ويلوح بالرحيل، تستوقفني زيارة تاريخية قام بها أخيراً د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية برفقة عدد من الوزراء إلى روسيا. ولأنّنا غارقون في المحلية ومهمومون بأزماتنا الداخلية، فاتنا أن نحتفي بهذه الزيارة ونهتم بتفاصيلها على النحو الذي يليق بتطور اعتبره فتحاً كبيراً في منظومة علاقاتنا الدولية، وبارقة أمل في غدٍ واعدٍ ومُبشرٍ يدخل فيه السودان إلى فضاء شراكة مع روسيا في مجالات حيوية ومهمة ومؤثرة وفاعلة. طبيعة تكوين الوفد كانت تتحدث عن زيارة استثنائية تتجاوز المجاملات السياسية الباردة والإكليشيهات التقليدية المستخدمة في الزيارات الرسمية.. فقد بدا واضحاً أن الزيارة تعلي صوت الاقتصاد على السياسة، وترفع شعار الاستثمار والتنمية، وتعتمد قاعدة المصالح مدخلاً لبناء شراكة راكزة وقائمة على تبادل المنافع. الزيارة شكّلت تطوراً لافتاً في منظومة علاقات السودان الدولية، ومثّلت علامة فارقة في تاريخ العلاقات السودانية الروسية وهي تضم د. مصطفى عثمان إسماعيل الوزير بالمجلس الأعلى للاستثمار ود. عيسى بشري وزير الاتصالات وتقانة المعلومات وكمال عبد اللطيف وزير المعادن. العلاقات بين السودان وروسيا ظلّت مُتميِّزة ومستقرة منذ مجئ الانقاذ للحكم، غير أنها لم تتقدم إلى مرحلة الشراكة.. وفد نافع يعتبر أكبر تمثيل لوفد رسمي يزور هذه الدولة المهمة والمؤثرة والفاعلة.. القيمة الاقتصادية للنتائج التي أحرزتها الزيارة ستمثل دعماً للإستراتيجية السياسية في مرحلة نحتاج فيها إلى هذه الدولة كثيراً. روسيا معروفة بإرثها وتاريخها العريق في مجال التنقيب عن البترول والمعادن.. وتعتبر من أغنى دول العالم من حيث كتلتها النقدية والاحتياطات التي تزخر بها أراضيها من الموارد خصوصاً الغاز والبترول. ميخائيل مارغيلوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التعاون مع دول أفريقيا احتفى بالزيارة وهو يعلنها عقب لقائه الرئيس عمر البشير ويؤكد بأن السلطات السودانية أدركت في السنوات الأخيرة ضرورة مجئ الشركات الروسية إلى الاقتصاد السوداني وهي مُستعدة حالياً لفتح الأبواب أمامها في جميع المجالات تقريباً، ولذلك سيمنح الوفد الحكومي السوداني تفويضاً واسعاً جداً، ويبدو أن هذا الأمر قد تم بالفعل. مارغيلوف أعاد إلى الأذهان أن بعثة من العلماء السوفيت أجرت في سبعينات القرن الماضي دراسة جيولوجية شاملة للأراضي السودانية ووضعت خريطة مُفصّلة لمكامن الثروات المعدنية في السودان، مضيفاً أن السودانيين اليوم يهتمون بالحصول على هذه المعلومات. السودان قابل الحماس الروسي بتشكيل وفد يُلبي طاقة الحراك الاقتصادي والاستثماري، ما أكسب الزيارة قيمتها الاعتبارية، وجعلتها فارقة في مسار العلاقات بين البلدين.. سنتستفيد كثيراً من التكنولوجيا الروسية في مجال التعدين والتنقيب بما يفجر طاقات الأراضي السودانية الواعدة بالكثير.. وسنضمن كذلك حليفاً إستراتيجياً في المحافل كافة يسعى للتوسع في مجال الاستثمارات بالسودان. من الواضح جداً أن روسيا مهتمة بالسودان في سياق بحثها عن التحالف مع المستقبل وهي تدرك بحكم اهتمامات قديمة ومتجددة قيمة الثروات التي تزخر بها أراضيه، كما أنها تسعى لتعزيز قاعدة وجود في أفريقيا والشرق الأوسط قائمة على التوسع في علاقات المنافع المتبادلة. الأمر المهم أن توقيت زيارة الوفد السوداني جاء كذلك بينما روسيا تعلن العام 2012 عاماً للإنطلاق بعد فراغها من ترتيب البيت الداخلي، وقد كانت الخرطوم أولى العواصم التي اعتمدتها روسيا لتنفيذ إستراتيجية توسيع دائرة المصالح المشتركة.. نتائج الزيارة تقول إنّ السودان سينتظره خيرٌ كثيرٌ من هذه الزيارة التاريخية، خاصة في مجالي البترول والذهب.