بعد توقيع اتفاقية نيفاشا تخوف البعض من ان يصبح الجيش الشعبى جيشا من الجنرالات فقط دون اى جنود في قاعدة الهرم العسكري لجيش الحركة. وتمضى الايام لتتكرر ازمة الوفرة في القيادات (المدنيين) مع الشريك الآخر المؤتمر الوطنى، وبطابع مختلف يتمظهر على المستوى السياسى.فقد شهدت الفترة الاخيرة موسما للهجرة الى المؤتمر الوطنى توافد على اثره آلاف من كوادر الاحزاب المعروفة - وفقا لشهادة الوطنى- لمؤسسات الحزب، وفى مقدمتهم قيادات من الوزن الثقيل خاصة من البيت الاتحادى مثل علي ابرسي وهشام البرير وفتحى شيلا، وليس ذلك فحسب بل ان نشرة الاحوال السياسية ذكرت توقعات بإنضمام اتحاديين (كبار) آخرين. ورغم ان مظهر المؤتمر الوطني الخارجى بدا سعيدا بالهجرة المتزايدة الى صفوفه واعتبرها دليل قوة، ومؤشراً قوىاً على اكتساح الانتخابات القادمة، الا ان نذر الخوف بدأت تسرى فى نفوس البعض خوفا من اكتساح القادمين لمقاعدهم. فبدوا يتحسسون مقاعدهم مع وصول القادمين الجدد. -------- وفى سبيل استيعاب الكوادر الجديدة شكل القطاع السياسي بالمؤتمر الوطنى لجنة خاصة لاستيعاب وتسكين من انضموا اليه مؤخرا من قيادات الاتحادى والمجموعات الاخرى فى المستويات التنظيمية للحزب. وقد حدا التخوف بالدكتور نافع علي نافع نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني للشئون السياسية والتنظيمية الى الامساك بالهمس ومحاولة خنقه بحديثه عن انهم فى الوطنى لا يتنافسون على عرض زائل ومناصب لا تسع الجميع، مضيفا ان الوطنى سيكون عند حسن ظن كل الذين انضموا اليه مؤخرا. ومن وجهة نظر القيادى في الحزب محمد الحسن الامين فان الوطنى بطرحه الجامع، سيستغرق وقتا لاكمال استيعاب القادمين وتصنيف القيادات بين المستوى القومى والولائى والتنفيذى. والصورة الذهنية التى رسمها نافع من ان الوطنى حزب مفتوح امام الجميع، لوحظ ان الكثير من قيادات المؤتمر الوطنى نسجوا على منوالها. ليبدو فى النهاية ان الحزب فى سبيل نموه سيستقطب مزيدا من القيادات، ويوجد لها مكانا مناسبا يتناسب مع امكانياتها وفقا لمبدأ التقدم لمن صدق وليس لمن سبق. ويؤكد الدكتور محمد مندور المهدى (امين امانة الاتصال السياسى) التزام الحزب بتوفير المواقع المناسبة للمنضمين الجدد. ويقول مندور بأنه لا وجود لاى صراع داخل الحزب، ويضيف ايضا «انا لا اريد ان اجرد النفس البشرية من الهوى ولكن منهجنا الذي ظللنا نتمسك به هو انه ينبغي ان نفسح المجال للآخرين وهذه واحدة من قناعتنا، وايضاً تولي المناصب حتى في العمل التنظيمي بصدق الإنسان وكسبه»، وينحو مندور الى توجيه رسالة لمن وجفت قلوبهم بقدوم القيادات الجدد بقوله «من كان ايمانه وقلبه ضعيفاً فليتحسس موقعه ولكن منهجنا داخل المؤتمر الوطني انه ينبغي ان نفسح المجال للآخرين وان نتنازل عن حقوق ذواتنا من اجلهم». ويرى د. الطيب زين العابدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم ان مبدأ من (صدق وليس من سبق) مجرد شعار مثالى لبث التطمينات فى نفوس القادمين، ويقول زين العابدين ان الصادقين السابقين حقا هم الذين اتوا قبل 30 يونيو، واكتووا بمضايقات مايو. وان كان البروف إبراهيم غندور - امين التعبئة السياسية بالوطنى - يقر بأن حزبه اضحى حزب قيادات، إلاَّ انه يراهن على ما اسماه بترياق المؤسسية. ويقول غندور قد يتصور البعض أن الحزب ستواجهه مشاكل حقيقية في اختيار مرشحي الحزب لخوض الانتخابات، لكنى اقول لهم نحن حزب مؤسسي لدينا أجهزة تقوم بالترشيح. وفى ظل تشكيلة المؤتمر الوطنى المتخمة باللاعبين المحترفين والجاهزين لخوض كل المباريات تبدو خيارات التشكيلة معقدة الى اقصى حد، إلاَّ انه يروى عن فتحي شيلا القادم الجديد لصفوف الوطنى قوله ان المؤتمر الوطنى حزب كبير وتستطيع مواعينه استيعاب القادمين الجدد. وربما يؤكد واقع الحال صحة حديث شيلا فهناك العديد من القيادات التى إلتحقت بالوطنى وتبوأت مناصب دون ان يشعر الكثيرون بأنها كانت خصما على القيادات القديمة. فمحمد الحسن الامين و بدرالدين طه القادمان من الشعبى وجدا نفسيهما فى مواقع متقدمة فى البرلمان للاول، والامانة الاجتماعية للحزب بالنسبة للثانى. ونفس الواقعة تصح على الهادي بشرى وعمر حضرة (قبل ان يغادر) وفاروق احمد آدم. ويشير د.زين العابدين الى ان ما يميز الوطنى انه يسعى لخوض الانتخابات فى كل مستوياتها و كل دوائرها. ويضيف ايضا ان الوطنى مطالب بخلق موازنة بين رغبة القواعد وتطلع هذه القيادات بشكل يتيح له كسب الانتخابات. ويرى زين العابدين ان مشكلة الوطنى تكمن فى الاختيار الصحيح للمرشحين. وينبه الى ضرورة الالتفات لرغبة القواعد، وعدم فرض ارادة القيادات العليا حتى لا تحدث عزلة للوطنى داخل قواعده، ويستشهد بما حدث من صراع داخل قواعد الحزب فى بعض الولايات كالقضارف. ويشدد زين العابدين على ضرورة الاجابة على سؤال مفصلى: (من يضع تشكيلة الحزب فى الانتخابات القادمة)؟، ويحذر فى ذات الصدد من تمرد القواعد، ودفعها بمرشحين لا توافق عليهم القيادة، بما يخلق ازدواجية المرشحين كما حدث من قبل (جار النبى- حريكة عزالدين). وهنا يشير محمد الحسن الى ان وضع التشكيلة سيكون مزيجا بين القيادى والقواعدى، ويقول ان القوائم النسبية ستكون وفقا لقناعات القيادة، اما الجغرافية فهى ستكون بالتشاور مع القواعد. او ربما نزولا على رغبة القيادة العليا للحزب فى حالة نيتها ربط قيادات معينة بمناطق محددة، او رغبتها فى تعزيز كفاءة الجهاز التنفيذى لدائرة بعينها. ويلفت مراقبون النظر الى ان التخمة التى يعانى منها المؤتمر الوطنى قد تدفع ببعض الكوادر للخروج من الحزب، فبعض المنضمين للوطنى برروا انضمامهم بأن لديهم طاقة يريدون ان يوظفوها عبر حزبهم الجديد. وذهب مراقبون الى ان بوابة دخول هؤلاء ستكون مدعاة لخروج آخرين إذا لم يجدوا المواقع المناسبة.. ولا تقف عواقب التخمة عند عتبة خروج البعض من الحزب، بل قد يتخطاه الى خلق حواجز نفسية مع بعض القوى السياسية التى يجرى الحوار معها فى هذا الوقت الحرج. ويتفق مع رؤية هؤلاء المراقبين محمد مندور المهدى نفسه بقوله: اذا ضاقت مواعين المؤتمر الوطني عن استيعاب هذه الامكانيات البشرية فمن الطبيعي ان تنتقل الى موقع آخر. ويجزم محمد الحسن بأن الوطنى بأجهزته المكتملة وقراراته الملزمة لن يعانى كثيرا من التفلتات كبقية الاحزاب الاخرى - على حد تعبيره-، ويقول ان المؤتمر الوطنى يتميز بامكانية استيعاب حتى للكوادر التى قد تفشل في حجز مواقع انتخابية.