التقيت قبل أيّام بخبرٍ لا أعرف مصدره مثلما لا أعرف درجة دقّته النوعيّة ... تَحدّثَ الخبر عن اعتذار قدّمه وفدٌ من أقباط السودان إلى السيّد والي الخرطوم عن حادثة تنصيرٍ شَرَع فيها أحد أفراد الطائفة القبطيّة لطالبة بجامعة سودانيّة... الاعتذار جاء بعد أنْ انطفأت نار الحادثة! عددٌ ممّنْ التقطَ خبر الاعتذار اندهشوا له، فالطائفة اعتذرت عمّا لم ترتكبه، فالفعل ارتكبه أحد منسوبيها، والاعتذار كان لوالي الخرطوم وهو ليس مسئولاً عن دين مواطني ولايته... إذا كان ثَمّة اعتذار فسيكون من أسرة الشاب القبطي لأسرة الطالبة! لا أجد مثالاً لقدرة جماعة سودانيّة صغيرة على الذوبان في الجماعة الأكبر وفي ذات الوقت المحافظة على خصائصها الذاتيّة مثل جماعة الاقباط ... فهذه الجماعة غطست في لُجج الثقافة السودانية المركزيّة فارتدى رجالها الجلابية والعمامة والعَرّاقي وتزيّت نساؤها بالثوب و الشملة والفَرْدَة ... بل اقتحم الأقباط حقيبة الفن (لي في المسالمة غزال)، فهذا الغزال غزالٌ قبطي ... وقبل وقتٍ قصير صادفتني واحدة من فتيات الأقباط تتغنى وتُرقّص العروس على الدلّوكة! جماعة الاقباط بسيرتها الذاتيّة استثناء داخل الجُملة الإسلاميّة فهم من أصل جماعة لها نسب مع المسلمين على المستوى النبوي المحمّدي وزوجته ماريا القبطيّة وابنهما ابراهيم الذي توفاه الله وعمره أقل من عامين فظلت ماريا هي حبل الوصل بين الأقباط والمسلمين! الفتاوى التي تخرج لتحرّم على السودانيين المسلمين مشاركة السودانيين المسيحيين أعيادهم واحتفالاتهم فتاوٍ لم تنبت في تُرْبَةٍ سودانية، وإنّما هي نبات صحراوي، فتاوٍ آتية من بيئة فقه لم تَرْوها مياهٌ تنساب من قنوات دولة المواطنة! اليوم 7 يناير اليوم الذي تحتفل فيه الكنائس الشرقية بعيد ميلاد السيّد المسيح، وفيه أتَوجّه بالحب كله وبالتهنئة كلها للمسيحيين الشرقيين ومسيحيي السودان وبعض جبال النوبة ومسيحيي مصر وإثيوبيا وإريتريا ، لكنّي أوجهها بحب أكبر وثقة أعلى لجماعة الأقباط في السودان، هذه الجماعة التي تألف وتُولف وتتآلف... لا اعتذار بيننا ، فما بيننا حبلٌ لا ينقطع مهما شَدّه أحدنا أو أحدكم بخشونة ... هذا الحبل هو حبل أختكم وأمّنا ماريا!!