شيعت الخرطوم في موكب مهيب مساء أمس، فنان الشباب الأول محمود عبد العزيز، الشهير ب (الحوت)، الذي فجع الشعب السوداني برحيله صباح أمس في مشفاه بالعاصمة الأردنية عمان. وصلى على جثمان الفقيد بمقابر الصبابي الشيخ الصادق الصائم ديمة وشهد التشييع د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم ومحمد العمدة عبد الرحمن معتمد بحري وعدد كبير من الرسميين وقيادات المجتمع وعدد كبير من زملاء الفقيد الفنانين والشعراء والموسيقيين والاعلاميين، وعشرات الآلاف من معجبيه ومحبي فنه. وشهد حي المزاد - بحري أمس تدافعا جماهيريا غير مسبوق من معجبي محمود ومحبيه وهم يبكون بحرقة مرددين أغانيه، مما أضطر شرطة مرور بحري باشراف العقيد السماني إسماعيل والمقدم محجوب أحمد صالح مع عدد كبير من الأفراد لقفل الشوارع المؤدية لمنزل الفقيد. وحط جثمان الراحل في صالة الحج والعمرة جنوبي المطار بعد العاشرة بقليل، حيث واجهت طائرته صعوبات في الهبوط بسبب التدافع الجماهيري، وخرج النعش على متن سيارة إسعاف في موكب مهيب بالسيارات تبعها آخرون سيرا على الأقدام. وقابل المشيعون نعش محمود بعاصفة من الدموع والصراخ والعويل، فيما ارتفعت هتافات أخرى بالتهليل والتكبير، وشق الموكب الضخم طريقه بصعوبة بالغة وسط الحشود التي تدفقت لإلقاء النظرة الأخيرة على الحوت. وكان تدافع جماهير (الحوت) نهارا، تسبب في إغلاق الشارع المؤدي إلى مطار الخرطوم لساعات، وزحفت أعداد هائلة من الجماهير صوب المطار في انتظار هبوط الطائرة الخاصة التي تحمل الجثمان من الأردن، واضطرت الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم بعيدا عن مدرج الطائرات بعد أن تسللوا تباعا الى الداخل، وتسببوا في تحطيم بوابة مطار الخرطوم وحرق أحد بصات الولاية، وأفلحت الشرطة في السيطرة على الموقف وإجلاء الجماهير من المدرج. ووقعت حالات إغماء وسط الجماهير الحزينة. وعلمت (الرأي العام)، أن عددا من الطائرات حولت وجهتها إلى مطار بورتسودان بعد أن عجزت عن الهبوط على المدرج. وتم نقل الجثمان من المطار إلى مقابر الصبابي مباشرة بعد ازدياد التدافع على منزل الفقيد في المزاد، كما تسبب الجمهور في اغلاق كبري النيل الأزرق ومداخل الخرطوم بحري. واحتسبت رئاسة الجمهورية وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ورئاسة قوات الشرطة والخدمة الوطنية ووزارة الثقافة والإعلام والحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة القومي والإذاعات والقنوات السودانية والاتحادات الطلابية والأندية الرياضية والروابط الفقيد، ووصفته بأنه أحد المبدعين الذين تربعوا على عرش الأغنية الشبابية وأحد أركان المسيرة الفنية بالبلاد.. شكل الفقيد مدرسة إبداعية متفردة. ونوهت وزارة الثقافة والإعلام بمشاركته في عدد من الاحتفالات الوطنية والرسمية، وإلى اهتماماته بتنمية وتطوير مواهب الأطفال. وفي سرادق العزاء الذي أقيم بمنزل الراحل أكد د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم الذي زار الأسرة معزياً، إن رحيل الفنان محمود يعتبر فقدا عظيما لما يحظى به الراحل من مكانة وقيمة فنية في وجدان عدد كبير من الناس، خاصة وسط الشباب. وأضاف: إن عزاء محمود عزاء غير عادي، ونتوقع أن تصل الى مكان العزاء أعداد غفيرة من الناس لذلك ستتكفل محلية بحري بنفقات العزاء. ووجه الوالي سلطات المرور باتخاذ التدابير اللازمة لتمكين كل المعزين من الوصول الى منزل العزاء، وترحم على الفقيد داعيا أن يتقبله الله قبولاً حسناً. وكان جهاز الأمن والمخابرات الوطني، أعلن أن الفريق أول مهندس محمد عطا المولى عباس، وجه بإرسال طائرة خاصة لنقل جثمان الفقيد من العاصمة الأردنية عمان الى الخرطوم، وقالت إدارة الاعلام بالجهاز، إن وفدا رفيعا يتقدمه الفريق عبد القادر يوسف مساعد المدير العام للتوجيه غادرت الى عمان لاحضار جثمان الفقيد وأسرته. ولد محمود عبد العزيز محمد علي الظاهرة الفنية الفريدة وصاحب الخامة الصوتية النادرة الذي يعد واحدا من أنجح المطربين في هذا الجيل، في يوم الاثنين الموافق 16 أكتوبر 1967م بمستشفى الخرطوم، ونشأ في حي المزاد العريق في أسرة بسيطة. وأحب منذ طفولته التمثيل والغناء من خلال مشاركته في برنامج الأطفال بالتلفزيون، وشارك في الكشافة البحرية وقلده المشير جعفر نميري وشاح الكشاف الأصغر، بعدها واصل نشاطه الفني والتحق بقصر الشباب والأطفال لتنطلق موهبته لتملأ الآفاق إبداعا وفنا راقيا، وفي 1987م التحق محمود بمركز شباب الخرطوم بحري وبدأت الموهبة في النضوج، وفي 1988م خاض معركته منطلقا بصوته العبقري الجهور الغليظ والحاد في نفس الوقت متفاعلاًَ مع الجمهور ومتفاعلاًَ مع محيطه فأخذ وأعطى وأصبح وسط الجمهور من خلال بعض الوصلات الغنائية مع الفنان صلاح ابن البادية وكانت فرقته الموسيقية هي أول فرقة تصاحب محمود عبد العزيز.