«في الحياة نعمتان، حب الفن وفن الحب» .. أوسكار وايلد! العنوان لكتاب أمسك بتلابيبي، بعد أن أثارت فضولي ابتسامة مؤلفته الخواجية التي كانت ترتدي، في صورة الغلاف، جلابية بدوية مطرّزة، وتمسك بحب واعتزاز بيد رجل بدوي! .. الكتاب مذكرات - أو حكاية - ممرضة نيوزلندية قامت برحلة سياحية في سبعينيات القرن الماضي إلى مدينة البتراء الأثرية بالأردن، فانتهت رحلتها بزواجها من دليلها البدوي ذي الشخصية القيادية الموهوبة، الذي أقنعتها مواقفه بأنه الرجل المناسب .. فعاشت معه ولأجله بضعة وعشرين عاماً في كهف من كهوف البتراء عمره ألفا عام، وأنجبت منه ثلاثة أولاد ..! وحينما رحل حبيبها البدوي إلى ذمة الله في العام (2002) رحلت هي أيضاً، عادت إلى أوروبا، قائلة إنها لم تكن في البتراء من أجل الجبال والتاريخ والتراث، بل من أجله هو .. لذلك لم تستطع أن تبقى دون يده التي كانت تمسك بيدها ..! بعد فراغي من قراءة الكتاب بقيت أحدق في الفراغ أمامي، لاحظت أنني لم أكن أنقب في انطباعاتها هي، بل في شخصية ذلك الرجل البدوي الذي أسر قلب امرأة متحضرة، متحررة، وزين لها حياة البداوة .. كنت أبحث في مواقفهما وذكرياتهما المشتركة عن أسباب بقاء ذلك الحب الذي يشبه الاجتياح ..! كنت أبحث عن ذلك الشيء الذي ميز هذا الرجل البسيط العادي، متواضع التعليم والثقافة والمهنة والدخل .. ذلك الشيء الساحر الذي جعل منها بدوية لا تتبرم من قضاء حاجتها في الخلاء، ولا تفر من زيارات الثعابين والعقارب ولا تحن إلى النوافذ الزجاجية، والشوارع المسفلتة، والحياة الرغدة .. كنت أبحث عن ماهية ذلك اليقين الكامل بعشق رجل بدوي ..! ذلك الإيمان الذي لم تزحزحه دهشة السياح وأسئلتهم المستنكرة عن سر احتمالها لحياة البداوة القاسية .. تلك القناعة التي حيرت حتى ملكة انجلترا التي ذهبت خصيصاً إلى البتراء ? عندما زارت الأردن ? باحثة عن امرأة من رعاياها حولها الحب إلى بدوية ..! إنه يقين الحب وأي يقين! .. إنها رصاصة الحب التي «لا تتساءل من أين جاءت ولا كيف جاءت، وليست تقدم أي اعتذار» .. هي إذن طلقة الحب التي تقتل أي خيار ..!