ارتعاشاتُ الحياة تنفض الثرى عن حكايا معلقة في ذاكرة العمر، ففي الزمن القديم حدَّثنا رجلٌ من شُيُوخِ أمِّ القرى قصةً رواها عن جدِّه، قال:- جاء عابدٌ من بغداد في موسم الحج وبعد أن أدى مناسكه وتحلل من إحرامه طفق يبحث عن شخص يدعى فلان ابن فلان، وقضى وقتاً طويلاً يصعد وينزل جبال مكةَ يسأل عنه إلى أن دلُّوه عليه متعجبين كيف يسأل هذا الشيخ الوقورُ عن رجلٍ يشربُ الخمرَ ولا يُصلِّي معهم الجماعة! بل ولا يخرج من بيته إلا نادراً، وعندما وصل إلى بيته إذا بصبي في الثانية عشرة من عُمره يقف على باب الدار فسأله عنه، فقال الطفلُ:- من تبحثُ عنه أبي !، ودون استئذان أدخلَ العابدَ على أبيه الذي كان يشربُ الخمر فتفاجأ، وبرعشة يدين وانكسار نفس أخذ يواري الأوعية من أمامه ودعا الضيف للجلوس، تقدم العابد بخطى مشفقةٍ وجلس أمامه وقال :- إنِّي تكبَّدتُ المشاقَّ لإيصالِ رسالة إليك، وتابع العابد حديثه الذي يعلم أنه يُرمِّم خيباتٍ متلاحقة، ويغسل عذاباتِ سنينَ عجافَ في نفس الرجل فاسترسل: عندما نويت الحج وفي ليلة سفري رأيت رسول الله ( في المنام يقول لي:- عندما تصل إلى مكة أقرئ سلامي لفلان ابن فلان. ذابَ فمُ الرَّجل ولم يبق منه سوى دمع غزير يتفلّت من عينيه، الرسول ( يبعث إليه السلام وهو يرتكب من المعاصي كبائرها! قال له الحاج :- ماذا فعلت من خير في حياتك ؟ قال وقد استباحت الكلمات البوح :- عندما دخلت بزوجتي كانت حاملاً بهذا الصبي الذي أحضرك إلىّ وقالت لي:- استرني، فصبرت عليها حتى جاءها المخاض وولَدت سراً وأخذتُ الطفل وضممته لصدري ووضعته عند باب المسجد ، وظللت أراقبه فإذا تجمهر عليه جموع المصلين ذهبت إليه وحملته وقد أعلنت أني تبنيت تربيته وأعدته إلى حضن أمه، وعاهدت نفسي أن أرعاه وأن تبقى أمَّه زوجتي مدى العمر، إلا أن الحزن غلبني وتملكني الشيطان فأدمنت شرب الخمر، فقال له العابد :- توضّأ وصلِّ وهذه دعوة من رسول الله (للتوبة؛ وهكذا لازم الرجل المساجد إلى أن مات. أين نحنُ من هذه الأخلاقِ الكريمة؟ نحن نعيش في زمن يُعتبر فيه كشف عورات الناس وتتبع أخبارهم من ألذ المتع نُسمِّيها شمارات! حتى باتت هناك مواقع في الانترنت تحمل هذا الاسم، وقد خلت بعض النفوس من الشهامة والنخوة فأصبحت إشاعةُ الأخبار السيئة وسيلتَهم في الترفيه متناسين أنهم بذلك يسيئون للمجتمع ومِن ثمَّ لأنفسهم لأنهم أفرادٌ من هذا المجتمع، فتصبح الجماعة بمجموعها ذات سمعة سيئة. وكم من إشاعة أخبار والزيادة عليها أدت إلى تدمير أسر، وتشتت أطفال، وربما جرائم قتلٍ، وعذابات غير منتهية.