وأخيراً.. خرجت مبادرة أهل السودان لحل مشكلة دارفور الى النور.. وحددت رئاسة الجمهورية الخميس المقبل موعداً لإنطلاقة جلستها الأولى التي سيخاطبها السيد رئيس الجمهورية. أنباء الأمس أكدت ان المبادرة ستعقد وسط حضور دولي وإقليمي كبيرين، ومشاركة «16» من الشخصيات الحزبية والقومية بينهم قادة من الإدارة الأهلية وممثلي النازحين بدارفور. باسولي الوسيط المشترك بين الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي تعهد للحكومة ببذل كل الجهود الممكنة لمشاركة قادة من الحركات المسلحة الدارفورية.. مؤكداً ان الحكومة ستقدم الضمانات اللازمة التي تمكنهم من المشاركة في اجتماعات المبادرة. إن إنعقاد المبادرة يعتبر نقلة كبيرة في طريق حل مشكلة دارفور، وإذا قدر للحركات المسلحة في دارفور المشاركة في هذه الإجتماعات.. فيعني نجاح المبادرة تماماً.. لأن حركات دارفور تمثل أهم عناصر نجاحها.. حتى لو تكتلت الحكومة والقوى السياسية كافة لإنجاح المبادرة ولم تتجاوب الحركات معها.. فإن ذلك يعني نجاحاً ناقصاً لحل الأزمة. المشكلة التي تواجه الحركات المسلحة هي أنها لم تتوحد بعد.. ولم تتفق على منفستو أو أجندة واحدة تدخل بها للمبادرة.. لأن كل فصيل يرى أنه الأحق بأخذ نصيب أهل دارفور من السلطة والثروة دون غيره من الفصائل الأخرى. إن الفور والزغاوة والعرب والمساليت.. والقبائل الدارفورية كافة منقسمة وغير موحدة، الأمر الذي أدى الى تفاقم الأزمة، فكل قائد من قادة الفصائل المتحاربة يريد ان يكون المنصب الكبير في رئاسة الجمهورية له وحده وليس من حق غيره. لقد أضاعت الحركات إتفاق أبوجا برفضها للتوقيع عليه.. وفاز عليهم أركو مناوي.. لكنه لم يبق في موقعه رغم الأخبار التي تقول إنه سيأتي قريباً، خرج من القصر ولم يعد حتى الآن، وعودته مشروطة بتحقيق الكثير من المطالب. لذلك يجب ان تتوحد حركات دارفور في جسم واحد.. ويتفقون جميعاً على أجندة واحدة تحقق لهم السلام والمشاركة الفعلية في السلطة لتمثيل أهل دارفور. الدكتور خليل إبراهيم يريد ان يكون نائباً لرئيس الجمهورية وكذلك عبدالواحد ويطمع في ذلك قادة آخرون.. حرير شريف، وأحمد إبراهيم دريج، ومناوي نفسه. هذه هي الصعوبة التي ستواجه مبادرة أهل السودان.. وهي انقسام الحركات المسلحة. وكل هؤلاء القادة لديهم من يقف خلفهم من القوى الدولية.. وهذا أمر معروف. نحن نريد لهذه الاجتماعات ان لا تنفض الى أن تصل الى حل جذري للمشكلة يكون واضحاً.. يتفق حوله كل أهل دارفور ممثلين في فصائلهم المتحاربة. كما أن هذه الحركات تريد لعناصرها مواقع وزارية.. ولن تكفيهم كل وزارات الحكومات الإقليمية اضافة الى وزارات المركز. أهل دارفور أرهقوا كثيراً.. وعانوا كثيراً.. وتاجر بقضيتهم كثيرون، لذلك يجب ان تحسم المبادرة هذا الخلاف وهذا الصراع الرهيب الذي عانى منه كل أهل السودان. ويجب على القوى السياسية والإقليمية والمحلية والعالمية كافة ان ترفع يدها عن هذه الحركات وأن تسهم في إقناعها بالمشاركة في اجتماعات هذه المبادرة.. بوفد واحد يمثل كل الحركات.. يحمل حلاً واحداً ترضى به الحركات المسلحة كافة، حلاً يضمن حل مشكلة الإقليم ويضع نهاية لمأساة ومعاناة أهل دارفور الطيبين. الحكومة جاهزة ومطلوب منها بذل أكبر جهد للوصول الى حل يرضي الجميع، حتى لو اضطرت ان تقدم بعض التنازلات. المرونة وتقديم بعض التنازلات أمران يجب ان ينطبق على العناصر المختلفة كافة.. وعلى الحكومة العمل على زرع الثقة في تلك القيادات الدارفورية.. حتى تصل الى حل يرضي جميع الأطراف ويحقق السلام والتنمية في ربوع دارفور ويعود أهل دارفور من المعسكرات المذلة ومن دول الجوار التي تتاجر بهم. إن إجتماعات المبادرة يجب ان تظل منعقدة الى ان تصل الى إتفاق ونجاح وعلى القوى السياسية المختلفة.. وعلى رأسها الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي بذل أقصى الجهد من أجل الوصول الى حل يجنب السودان المزيد من دماء أبنائه. يجب على كل القوى السياسية تجميد خلافاتها ونسيان مراراتها «ولو الى حين.. حتى الوصول الى حل.. وعلى المجتمع الدولي كله بذل الجهود الى الوصول الى حل. نجاح مبادرة أهل السودان يساعد كثيراً في نجاح المبادرة العربية بقيادة دولة قطر الشقيقة التي نجحت في حل العديد من القضايا الصعبة التي تواجه أمتنا العربية. لقد تأكد للجميع ان الحرب لا تحل قضية.. ولن تحقق مكاسب لأن نهاية الشوط ستكون بعيدة، لذلك لجأ العالم كله الى الحوار بدلاً عن البندقية.. ولكم في إتفاقية نيفاشا أروع الأمثلة. اكثر من عشرين عاماً والقتال مستمر.. والأصابع على الزناد.. واحترق الزرع والضرع في جنوبنا الحبيب، وفقد السودان كله عدداً كبيراً من أبنائه من كل أقاليم السودان، وأخيراً حققت المفاوضات ما فشلت فيه تحقيقه الحرب. نسأل الله للقائمين على أمر المبادرة النجاح التام، وأن تكون صدورهم رحبة لكل متحدث، لأن القضية في شكلها العام كبيرة، لكن إذا جلس المتفاوضون بنفس صادقة وبنوايا حسنة فإن الحل سيكون سهلاً. والله الموفق وهو المستعان،،