في مثل هذا اليوم من الاسبوع المنصرم حدثت مجزرة رهيبة في منطقة قناة جونقلى وجدت حظاً قليلاً ومؤقتاً من الاعلام ولكنه لايخلو من الغرابة، ولعل أول غرائبها ان أخبار المجزرة ظهرت يوم الاثنين وعلى لسان يان كي مون (شخصياً) الذي استنكرها ومن ثم نقلت عنه وكالات الأخبار العالمية وأجهزة الاعلام المحلية. وكان الخبر من أخبار الراديو فقط، فلم تقع (في) عيني (الصغيرة دي) أية صورة متحركة أو ثابتة لهذه المجزرة في أية قناة أو صحيفة مع انه في الاسبوع السابق واللاحق لأحداث أوكوبو تعج وسائط الاعلام بصور للقتلى في العراق وباكستان والصومال لا توجد مقارنة بين عددهم وعدد قتلى قناة جونقلى لا بل انظروا لتغطية القنوات الناطقة بالعربية لاحداث جماعة بوكو حرام في نيجيريا لتروا كيف تم التغاضي عن احداث جونقلي. على المستوى المحلي أجهزتنا الاعلامية وهي (الله يكون في عونها) خرطومية بحتة، فتطورات قضية الاستاذة لبنى احمد حسين التي (محنت السلطات) وعقابيل باقان في الكونغرس وشكوى النظام العام لياسر عرمان طلعت في كفر الاخبار بصورة تفوق أحداث جونقلى بكثير، وقد تصفحت الصحافة الانجليزية التي يصدرها الاخوة الجنوبيون في العاصمة فوجدتها هي الأخرى بائسة من حيث التغطية لاخبار اوكوبو بل وقفت بعض الاقلام موقفاً قبلياً من المجزرة، فقد لحظت هجوماً عنيفاً ومقذعاً على قبيلة المورلي المتهمة بالمجزرة وقد وصفت بأنها تعاني من الخصوبة بسبب أمراض تناسلية ناجمة من ممارسات فوضوية وقد سبق للقائد سلفا ان وصف هذه القبيلة بأنها تعتمد على خطف الاطفال لتعويض النقص في المواليد، ولكن لم يوضح لنا أحد من أين أتت هذه القبيلة بالسلاح ولماذا العداء مع النوير دون غيرهم من القبائل المجاورة؟ وماهو دور الجيش الشعبي في هذه الاحداث؟ وما هي سياسة حكومة الجنوب في معالجة هذا الامر طالما انه لا يعود لاسباب طارئة بل لاسباب وجودية؟ عودًا على بدء من الطبيعي ان نستغرب ان علمنا وعلم الكافة بهذه الاحداث أتى من بان كي مون شخصيا وبالطبع مصدر معلوماته هو بعثة الاممالمتحدة الموجودة في البلاد، فهل أصبحت قوات اليونميس وقياداتها هي الحاكم الحقيقي في الجنوب والحركة مكتفية بالمدن وقسمة النفط؟ لماذا يسبق بان كي مون القائد سلفا الحاكم المطلق للجنوب؟ ولكن يبقى المهم ماهي ردة فعل العالم لنداء السيد بان كي مون وماذا قدم العالم لأسر الضحايا؟ لا بل ماذا قدم السودانيون في الجنوب وفي الشمال حكاماً ومحكومين لاولئك البؤساء؟ كما نقول في دارجية أهل السودان (البعيد عن العين بعيد عن القلب) والعين في هذا الزمن هي الاعلام فأي حدث بعيد عن الاعلام سوف لن يلتفت له العالم ولن يصبح قضية لا محلية ولا اقليمية ولا عالمية مهما كانت عظمة هذا الحدث سلباً او ايجاباً، فلو مات كل اهل جونقلى لن يحظوا بأية تغطية لانهم بعيدون عن القلب لبعدهم عن العين وأي حدث مهما كانت تفاهته سوف يصبح قضية رأى عام اذا وجد عين الكاميرات وليرحم الله اهل جونقلي الأموات منهم والأحياء. بعيداً عن نظرية المؤامرة ان منطقة جونقلى مرتبطة بقضية مياه النيل، فهي مضرب المثل في الموارد المائية التي يمكن ان تضاف لايرادات النيل وهي غنية بالنفط وبالتالي نتساءل من الذي يريدها خالية من البشر؟ لاتسألوا العنبة.