عندما خطونا داخل حدائق «6» أبريل.. نبحث عن أناس حرمتهم الحياة من نعمة البصر ومنعتهم الإعاقة من إكمال المشوار في طريق تحول مساره إلى إبداع يختلف عما بدأوه.. كان يصادف أسماعنا في تلك اللحظات صدى تصفيق حار.. وضحك يعلو كلما إقتربنا منه.. كنا (نبحث) عن مكان منتدى (المعري) الذي يقام عصرية الجمعة بالحديقة.. وكنا حينها نصادف أيضاً فرقة ليالينا الكوميدية تقدم فقرتها معالجة لقضية إجتماعية من خلال كوميديا الموقف.. والنكتة.. شباب تعاون من اجل متعة الاخرين والترفيه عن أنفسهم.. بينهم الأصحاء.. والمعاقين بصرياً.. والشعراء والفنانين والعازفين والذين تبصر أصابعهم وهي تنقر على آلة العود وتضرب على (الطبلة) و (البنقز). والذين تتكيء أرجلهم على طرف صناعي يحسبهم الجميع يمشون على قدمين سليمين.. وتسمع الشاعر عاطف عوض يلقي قصائده وهو قيادي شاب في المنتدى الذي جمع بين القلوب والمواهب شعراً وغناء حتى القصة القصيرة.. رغم أن الغلبة أبصارهم (مذياع) وأسماعهم (ضحكة) من فم النكتة والسخرية.. وهنالك حالات زواج تمت وقصص لمعاناة ولكن الحكاية تأتي ونحن نسمعها من أصحابها والسنوسي بشير يروي لنا عن (المعري) الذي بدأت فكرة تجمعه في العام 2991م في متحف السودان بمشاركة مجموعة على رأسها عوض أحمودي والشاعرة سعادة عبد الرحمن وبابكر أبو علي وأزهري الوضاح وبعلاقة قوية مع جمعية العملاق بشمبات وإتحاد المكفوفين ببحري.. السنوسي مصاب في قدمه إثر حادث قطار.. يضيف: الهدف أن نخرج من جو الكآبة إلى ما به نفرح الناس. وقد خرَّجنا مبدعين في نجوم الغد.. بينهم بدوي رفاعة وعاصم سليمان البنا وهيثم الخلا.. «52» فناناً وشعراء كثيرين.. ويحكي لنا حاتم الأمين محمد عثمان عن قصته وهو متعدد المواهب ملحن وعازف إيقاع وبيانو وعلى العود.. وسيرى أحد ألحانه النور قريباً بصوت أسرار بابكر : (أنا من الحصاحيصا مدين لعائلتي.. سبع صنائع والبخت ضائع.. وجدت نفسي كفيفاً ولدَّي شقيقة كفيفة تخرجت من جامعة النيلين وتزوجت كفيفاً ايضا لكنهما يعيشان حياتهما بالطول والعرض..) .. ويقول: بدأت العزف على (الحلل) وأصابعي (تدق) على أي شيء يصدر صوتاً.. أنا مدمن راديو.. لأنني عانيت من وجود شخص يقرأ لي.. ولست حاقداً على الدنيا.. أما محمد إسحق وطلال عبد الله كفيفان.. «محمد» يدرس في كلية الموسيقى والدراما.. (صوت) وهو عازف ماهر على البيانو وطلال في الثانوي وكاتب قصة قصيرة.. وهنالك مداومون على حضور فعاليات المنتدى بينهم على الدالي الذي قال لنا: لم يعطونا أي إحساس بأنهم معاقون.. وتمتد مشاركات اعضاء المنتدى أسرياً وإجتماعياً وبروح جميلة تشعر بها في العلاقات التي تجمع بينهم شباب وشابات وشاعرات منهن شجن التي ألقت قصيدة عن أمها.. ومعز محمد الطيب الذي غازل بشعره ضفائر المساء وهي مسدلة على جيد حسنائه.. وقد غنينا معهم (أحلى منك قايلة بلقى) ولزيدان إبراهيم (في الليلة ديك).