لا يستطيع ناشط نقابى ترسيم المنطقة الفاصلة بين الاتحاد والنقابة (union & trade union) ... لكنّه يستطيع المجادلة فى الفرق بين النقابة والاتحاد... سيقول انّ النقابة تستمد شرعيتها من قاعدتها... والاتحاد يستمد شرعيّته من الحكومة... مع انّ الاثنين فى أصلهما يستمدّان مشروعيّتهما من المهنة! النقابات فى السودان يساريّة المنشأ... لذلك كان موقعها دائما فى مواجهة السلطة, الا اذا كانت هذه السلطة (تقدّميّة)... فوقر بالقلوب شيئا من المذهب اليسارى, بأنّ النقابة تنتزع حقوقها من السلطة فالحقوق لا تمنح... أمّا الاتحاد فيستلم هذه الحقوق (رشوة) من يد السلطة بعد مصافحتها! بقيت آثار ذلك فى الحالة النقابيّة الماثلة... فعندما يتعلّق الأمر بمسجّل التنظيمات المهنيّة أو يلتقى التنظيم المهنى مع الدولة يقول عن نفسه انّه اتحاد وعلى رأسه رئيس اتحاد, وحينما يلتقى التنظيم المهنى بقاعدته يقدّم نفسه على أنّه نقابة على رأسها النقيب... وهى حالة من انفصام الشخصيّة النقابيّة! فى الخبرة السودانيّة كانت النقابات سلطة مضادة... فبعد ثورتين شعبيتين دخلت النقابات بديلا للسلطة المنهارة (جبهة الهيئات وقوى الانتفاضة)... بل استقر فى مركز الوهم عند البعض أنّ حكومة النقابات من السيناريوهات الجاهزة للخروج من أزمة الحكم, مع انّ السيرة الذاتيّة لهذه النقابات انّها تسقط السلطة التى (ناضلت) من أجلها بذات السلاح الذى أشهرته فى وجه السلطة السابقة: سلاح الاضراب! تجربة الاتحادات المهنية فى السودان تستحق الدراسة... فقد عملت بعيدا عن العصبيّة المهنيّة والقبليّة النقابيّة... لم تكن الاتحادات فى حالة نزاع مع الدولة أو مع نفسها ومع ذلك استطاعت تحقيق ما لم يحققه الصراع مع الحكومة وسلاح الاضراب... اتحادات المعلمين والمحامين والأطباء والبياطرة والصحافيين أحرزت لقواعدها نقاطا حيّة فى الاسكان والتأمين الصحى وتمليك المعينات المهنيّة والتدريب المهنى... والزواج المهنى! بالأمس كانت انتخابات اتحاد الاطباء... وغدا انتخابات الصحافيين بدار الصحفيين, الدار التى أخذها الاتحاد السابق بالحوار مع الدولة... فلو كان اتحادا (مصادما) لما أتى بهذه الدار الا فى الدار الآخرة... أو بعد مظاهرة صاخبة تبدأ من ميدان ابوجنزير وتنتهى بسجن كوبر!!