في كل مرة أطالع فيها تصريحات بعض السياسيين سواء أكانوا في الحكومة، أو المعارضة، تزداد قناعتي بأهمية تدريبهم على ذلك مسبقاً، فالذي يريد أن يقود مركبة خاصة يتدرب على ذلك لأشهر قبل أن يمنح رخصة قيادة، فما بالك بالذي يريد أن يقود بلداً بأكمالها؟!. وإن كانت تصريحات بعض قادة المعارضة (على شتارتها) هي الأقل تأثيراً فيما يبدو، فإن تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين تترتب عليها آثار جانبية مضرة بمصلحة البلاد رغم أنها لا تنطلق من نوايا سيئة على الأرجح، وإنما تنطلق بدافع الرغبة في الظهور. فمسغبة البعض في الحديث، تجعله يبادر للتصريحات كيفما اتفق لتذكير الناس بأنه موجود. فمثلما قال الفيلسوف رينيه ديكارت (أنا أشك إذاً أنا موجود)، فإن كثيراً من السياسيين يعتقدون في مقولة مماثلة وهي : (أنا أتحدث إذاً أنا موجود). مناسبة كل ذلك، هو التصريح الملغوم الذي صدر من السيد موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية ورئيس مؤتمر البجا عقب لقائه بالرئيس مرسي في مقر إقامته ببرج الفاتح صبيحة الجمعة الماضية، فقد تبرع موسى بالتصريح دون أن يطلب منه أحد ذلك. فهو من بادر بالتوجه للإعلاميين والحديث عن أنه تلقى وعداً قاطعاً من الرئيس المصري محمد مرسي بإعادة مثلث حلايب لحاله قبل العام 1995م، وهو التصريح الذي نفته الرئاسة المصرية أمس، وتناولته وسائل الإعلام المصرية، ولا تزال بصورة لا تتماشى مطلقاً مع مخرجات زيارة مرسي الإيجابية للخرطوم. وجدت الرئاسة المصرية نفسها أمام هجوم عاصف من خصومها السياسيين وبعض المزايدين عليها هناك، واتهموا مرسي بالتفريط في حلايب، مما دفع المتحدث باسم الرئاسة في القاهرة إيهاب مصطفى لإطفاء نار التصريحات التي أشعلها المساعد موسى محمد أحمد دون قصد في الخرطوم وذلك بالقول إن الحديث عن اعادة مثلث حلايب إلى حاله قبل العام 1995م عارٍ تماماً من الصحة ولم يطرح مطلقاً، وزاد، إن حلايب جزء من الأراضي المصرية ولا يمكن مطلقاً التفريط في السيادة المصرية على أي شبر من أرض مصر. بالطبع، ليس هناك أي سبب يجعلنا نصدق إيهاب ونكذب موسى، فموسى مناضل وزعيم محترم لم يعرف عن الكذب. ولكن مع ذلك، لم يعرف عنه الدربة في التعامل مع الإعلام بالصورة التي كانت ستجنبنا مثل هذا الجدل غير المنتج بشأن حلايب، فحديث الرئاسة المصرية يمكن فهمه في ظل الظروف الخاصة التي تعيشها مصر، وفي ظل تربص الكثيرين بالرئيس مرسي وإخوان مصر، اختزلت الميديا المصرية الحدث، أو كادت، في تصريح موسى، وعملت على (حلبنت) الزيارة التاريخية للرئيس مرسي للخرطوم والقفز فوق ما حققته من نتائج مبهرة على كافة الأصعدة. كان على موسى محمد أحمد النظر إلى تصريحات الرئيسين البشير ومرسي المغسولة بشأن حلايبب، وتأكيدهما على أن الحدود لن تكون عائقاً في طريق تطور البلدين. كان عليه أيضاً ، توجيه تصريحاته في إتجاه دعم تنفيذ اتفاقية الحريات الأربع لأنها ستجعل من الحدود حال إنفاذها فواصل على الخرط فقط. أما على الأرض، فلن يكون غير التعاون والمصالح المشتركة، مصالح تجعل حدودنا في السودان تتجاوز حلايب لتمتد إلى الإسكندرية، وحدود أخواننا في مصر، تتجاوز حلايب كذلك، إلى (دبة الفخار). من الآخر، أخي مساعد الرئيس، نتفهم إهتمامك بملف حلايب، ومدى الضغوط التي تمارس عليكم في هذا الخصوص ربما. لكن، رغم أن سودانية حلايب من الحقائق الوطنية الناصعة، لكن لم يكن هنالك داعٍ لإطلاق ذلك التصريح غير الموفق.