يا للهول!.. صباح الأمس تجرّع كل مستمع إلى الإذاعة السودانية زجاجة زيت خروع كاملة على الريق (على طريقة ماركيز!)، وهو يتابع أغرب تغطية في العالم لحادثة موت جماعي، قتلاها مواطنون أبرياء..! أما سبب الوفاة بحسب التغطية الإذاعية المستفزة فهو تدافعهم الشديد بجوار حائط أسمنتي كان يقف شامخاً في حاله وفي أمان الله لولا إصرار أولئك المواطنين، عليهم رحمة الله، على التدافع بجواره، الأمر الذي اضطره إلى السقوط على أم رؤوسهم جميعاً، مكرهاً لا بطل..! مراسل الإذاعة كان يبرِّر فاجعة سقوط حائط مدرسة ثانوية بولاية القضارف على رؤوس مواطنين أبرياء اصطفوا للتسجيل في بعثة حج هذا العام، قائلاً: إنّ المدرسة تتسع لحوالي ألفي شخص وأنها بالتالي! صالحة لضم الحشود، غير أن التدافع الشديد هو السبب في سقوط الحائط..! أما السيد زير الإرشاد بولاية القضارف فقد فتح الله عليه بأعجب سبب في التاريخ، قائلاً: إنّ خريف هذا العام كان طيباً، لذلك توافرت للناس السيولة الكافية، الأمر الذي جعل معظمهم مستطيعين لأداء فريضة الحج، فتقاطرت جموعهم الغفيرة نحو المدرسة وتدافعت لكثرتها فتسببت بسقوط الحائط!.. لا حول ولا قوة إلاّ بالله..! يا عالم.. يا ناس.. هل هذا هو السودان؟!.. هل تحجرت قلوب الحاكمين بأمرهم فيه وماتت قلوب أتباعهم من المؤتمِرين والتابعين، فباتوا يتفننون في تبرير أفظع الأخطاء على ذلك النحو الذي يستخف بمصائب الناس قبل عقولهم؟!.. تسع نساء، ورجل، وطفل، ماتوا هكذا.. دفعة واحدة.. فقط لأنّهم ارتكبوا جريمة التدافع بجوار حائط؟!.. هل سمعتم بتدافع أشخاصٍ في صفوف معاملة يهدم جداراً أسمنتياً؟!.. اللهم إننا نشكو إليك ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس..! خرج الشعب اليوناني إلى الشوارع يوماً، احتجاجاً على مقتل شاب - واحد - برصاص الشرطة في أحداث شغب، دون أن يجرؤ شرطي واحد على أن يقول بغم.. كان بإمكان الحكومة اليونانية - وقتها - أن تواجه تلك الغضبة الشعبية بحجة قوية مفادها أنّ المرحوم غلطان (الشاب القتيل هو الذي هاجم سيارة الشرطة التي لم تفعل شيئاً أكثر من إطلاق بضع رصاصات تحذيرية، طاشت إحداها فتسبّبت بوفاته).. ولكن عوضاً عن ذلك، قدم وزير الداخلية استقالته..! الميت في السودان وإن كان بالنسبة لأحبائه كل العالم هو بالنسبة لحكومة بلاده «شخص ما»!.. هل سمعت بمسؤول حكومي واحد يخرج على هذا الشعب بعد أيّة فاجعة وهو يعد بعدم تكرارها على الأقل؟!.. كلا! بطبيعة الحال، وطبيعة الشرطة، وطبيعة الحكومة، التي لا ولم ولن يطرف لها جفنٌ..!