(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً).. الآية 93 من سورة النساء. خرج الشعب اليوناني إلى الشوارع يوماً، احتجاجاً على مقتل شاب، برصاص الشرطة في أحداث شغب، وحطّم المتظاهرون واجهات المحلات، وهشّموا زجاج السيارات، ثم نظمت النقابات مسيرات احتجاج حاشدة، وقامت قيامة الحكومة.. و.. و.. دون أن يجرؤ شرطي واحد على أن يقول بغم..! كان بإمكان الحكومة اليونانية - وقتها - أن تُواجه تلك الغضبة الشعبية بحجة قوية مفادها أن «المرحوم غلطان»، فالشاب القتيل هو الذي هاجم سيارة الشرطة برفقة آخرين، رشقوها بالحجارة والقنابل الحارقة، والشرطة لم تفعل شيئاً أكثر من إطلاق بضع رصاصات تحذيرية، طاشت إحداها فأصابت الشاب بجرح تسبّب في وفاته..! لكنها عوضاً عن ذلك، سارعت باحتجاز الضابط، مُطلق الرصاصة الطائشة، واعتقلت ضباطاً آخرين، ثم قدم وزير الداخلية استقالته، وعندما رفض مجلس الوزراء طلبه، ظل الوزير يؤكد للشعب حرص حكومته على مُعاقبة المُتورطين، ويعده بعدم تكرار تلك الحادثة أبداً..! الأيام أثبتت - فعلاً - أنّ سرعة الإجراء ودقة المعالجة كانت سبباً رئيساً في عدم تكرار الحادثة، رغم توالي التظاهرات وتكرر أحداث الشغب.. بدليل أن التتظاهر الوحيد الذي أُعلنت وفاته - بعدها - كان قد انتقل إلى الدار الآخرة بسبب نوبة قلبية في أثناء مشاركته في التظاهرات الأخيرة التي أضرمها الشعب احتجاجاً على خطة التقشف التي أقرتها الحكومة..! أما عند الشعب السوداني الذي يتلظى بأوجاع السياسة وأدواء الاقتصاد فبات من المألوف - نوعاً - أن يستيقظ الناس (الذين اعتادوا على كوارث الحكومة وإخفاقات المعارضة) في الصباح الباكر على فظائع وجرائم المُمارسة السياسية التي طالت حرم الجامعات السودانية.. من اكتشاف جثث الطلبة الذين قُتلوا في ظروف غامضة إلى حوادث الخطف والضرب بين الطلبة.. إلى الشروع في قتل المديرين والعمداء إذا لزم الأمر..! هذا التكرار المخيف في أحداث الشغب وحوادث القتل بين طلبة الجامعات هو نتيجة راجحة لبلادة الحس وموت الضمير وانعدام المحاسبة، في دولة الحكومة الإسلامية التي يقول مصدر تشريعها الأول (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً. ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعاً. ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون).