كيف يسقط الحياد في صياغة الخبر في بِرَك الأمزجة والأهواء الصحفية ؟! .. مثال : خبر رسمي محايد ودعك من السياسي قرأته في ثلاث صحف، تشهد صياغاته المختلفة على أن الخلفيات والمواقف السياسية قد تلوي عنان الحياد، فتعيد تشكيل صلصال الخبر وفقاً لمزاج الصائغ ! .. “ملكة جمال العرب .. سعودية” .. تصدرت هذه الجملة عناوين صحيفة القدس العربي، مع العبارة المقتضبة التالية : (فازت الجميلة السعودية “موّدة نور” بلقب ملكة جمال العرب في مسابقة أجريت في العاصمة المصرية القاهرة وتنافست فيها 16 من جميلات البلدان العربية) ! .. ذات الخبر ورد في صحيفة الشرق الأوسط بالعنوان التالي : (اختتام مسابقات “فتاة العرب المثالية” بعد منافسة ضارية)، مع صورة مشرقة للفتاة السعودية الفائزة .. وأخرى لست متباريات يرتدين فساتين بيضاء بأكمام طويلة، وإحداهن محجبة ! .. صحيفة الشرق الأوسط قالت إن المهرجان في دورته الثالثة قد أقيم تحت رعاية هيئة تنشيط السياحة المصرية .. المدير المسئول عن المهرجان كاتبة وشاعرة (حنان نصر) قالت عبر الصحيفة إن هدف المسابقة ثقافي بالدرجة الأولى، حيث تقام على هامشها ندوات شعرية، وأمسيات ثقافية، وعروض لأفلام روائية وتسجيلية، وأن التنافس يعتمد على العقلية والخلق والذكاء أكثر من اعتماده على الجمال وحده ! .. بينما أوردت صحيفة فنون ذات الخبر بالعنوان التالي : (فيما أحرزت السعودية لقب فتاة العرب المثالية : السودانية رفيدة يس نافست بقوة في لقب فتاة العرب المثالية وتحرز جائزة الثقافة) .. ثم قدمت فنون عرضاً مقتضباً لأجواء المسابقة وأهدافها التوعوية والثقافية .. مبينة أن خروج المتسابقة السودانية من المنافسة من الجولة قبل الأخيرة، قد كان بمثابة مفاجأة، لأنها هي ونظيرتها المصرية، كانتا الأوفر حظاً ! .. الملاحظ في عرض الصحف الثلاث لعنوان وتفاصيل الخبر، هو بعض اختلافات طفيفة في الصياغة، لكنها اختلافات بالغة التأثير في لونية استقبال القارئ للفكرة، وفي طريقة تمليك المعلومة للقارئ .. وهو تباين مردها إلى تباين منطلقات ورؤية كل صحيفة على حدة .. ولكن ! .. الذي يقرأ الخبر في صحيفة فنون السودانية سيلحظ تناولها المحايد للخبر .. كما سيلحظ نزاهة انحيازها إلى المتسابقة السودانية (الزميلة رفيدة يس بصحيفة الشروق المصرية) .. وسيفهم من استحسان الصياغة أن الهدف من المسابقة هو اختيار فتاة عرب مثالية على وزن (الأم المثالية .. والطالبة المثالية .. والموظف المثالي .. إلخ ..) .. بينما الذي يقرأ صياغة صحيفة الشرق الأوسط سيلحظ نهجها المعتاد ..(بعد منافسة ضارية) .. (بعد صراع شرس على اللقب) .. وإن كانت المبالغة هنا جائزة هذه المرة باعتبار أن الفائزة سعودية .. أما غير المبرر وإن كان على النهج المعتاد فهو غياب اسم السودان وممثلة السودان من صياغة الخبر ! .. أما صحيفة القدس العربي فقد (بالغت) .. وهذا مربط الفرس : غيرت الاسم من (مسابقة فتاة العرب) إلى (مسابقة ملكة جمال العرب) .. وشتان بين الاثنتين ! .. ثم أنها تجاهلت فوز الفلسطينية بلقب فتاة السلام .. نكاية في (دول الاعتدال) .. التي ترعى إحداها المسابقة وتفوز الأخرى باللقب .. (شفت كيف) ؟!