عندما يتمعن المراقب في تداعيات مباراة مصر والجزائر يمكنه أن يستخلص واحداً من عدة أمور لما حدث؛ إما إدارة إعلامية غير موفقة للأحداث، أو انتماء وطنياً مبالغاً في التعبير عنه. أو حاجة وطنية عربية إلى الوحدة الداخلية ورغبة في ردم الانقسام المجتمعي مهما كانت التكلفة، فتأتي أزمة خارجية تتمثل في تهديدات أو إساءات أو نيل من المصالح العليا وراء الحدود فتتوحد الأمة الوطنية في وجه هذه الأزمة وتنسى خلافاتها. وربما هكذا كان البلدان مصر والجزائر يحتاجان إلى نصر رياضي ينمي الشعور بالرضا الوطني أو أزمة توحد الشعب خلف قضية وطنية. التلفزيون ضخم الهدف في كلتا الحالتين السلبية والإيجابية؛ فجعل من الانتصار إكسير الحياة الوطنية، وأوحى أن الهزيمة مساس بالكرامة الوطنية. وفي كلتا الرؤيتين مبالغة شديدة. فكرة القدم فوز وخسارة، وقد رضيت جميع الأمم بشروط هذه اللعبة وذاقت أفراحها ومراراتها. ومن غير اللائق أن ترتبط كرامة الوطن بموفقية أقدام المهاجمين عنتر والطائفي وغزال من الجزائر أو متعب وعمرو زكي وأبو تريكة من مصر. فأمجاد الأوطان تقوم على حضارات متراكمة تعود لآلاف السنين لا على نتيجة مباراة مهما كانت أهميتها، لولا أن حاجة نفسية في الخاطر العام للمجتمع بالبلدين كانت تتشوق لاستثمار ما حدث أو ما سيحدث. وهو ما وفره التلفزيون الذي قام بدور الحاوي للرقص مع الثعابين الوطنية المسكونة في الأعماق. رقصة الثعابين هذه استحالت إلى ضحايا فرح بالعشرات في الجزائر. وانقلبت على الجانب الآخر ضغوطات شعبية على الحكومة المصرية لحماية مواطنيها من الاعتداءات البدنية واللفظية التي تعرض لها المصريون. وبدت مصر رائدة القومية العربية مجروحة في انتمائها العربي. وهذا خطأ كبير لا تقع مسؤوليته على مصر وحدها. بل على الجزائريين وبعض العرب. لأنه كان من الضروري الحفاظ على أمن المشجعين وعلى عدم المساس بمشاعرهم. والتمتع بحد أدنى من الروح الرياضية التي يعبر فيها المنتصر عن فرحته دون النيل من الند الخاسر. فليس من الضروري ألا تكون الفرحة معبرة ومكتملة إلا عندما تقترن بالكيد للمنافس وهذه مع الأسف الشديد ثقافة عربية. ومن المهم الإشارة أيضا إلى أن الإعلام المصري قام بتوظيف غير ملائم للعاطفة المصرية المشهود لها بالاتقاد الدائم، مما قد يتسبب في الإساءة لمصر ، وهنا لا يمكن أن ننسى أنه قاد حملات ضد دول عربية عديدة في الماضي ومنها المملكة حتى كاد يسيء لعلاقات مصر مع عمقها العربي. عندما حول حوادث صغيرة جدا تقع في كل المجتمعات إلى قضايا قومية تصدى لها بروح وطنية عمياء جارفة. وهذه الطريقة في التعامل مع الأشقاء هي التي جعلت الجزائريين الذين يشتركون في مسؤولية ما حدث يعالجون الأمر بأنه استعلاء من الجانب الآخر. كان العرب يستلهمون الشرارة لقضاياهم الوطنية من الراديو وأعمدة الصحف. ولما تسيد التلفزيون والأقمار الاصطناعية وانتشر الإنترنت أصبحت القيادة في أيدي أنصاف المثقفين ذوي التكوين العلمي المتوسط. فقاد هؤلاء بغرائزهم ما يعتبرونه حروب الوطن والأمة. فاختلط الحابل بالنابل وضاعت الحقيقة إن على مستوى المهنة الإعلامية أو في الرؤية القومية والوطنية. (عن الوطن السعودية)