بدأتْ علاقتى المباشرة بالعِطْر مع بداية دراستى الجامعيّة... قبلها لم تكن تسمح لنا السُلْطة الابويّة ولا السُلْطة الأمويّة ولا السُلطة المدرسيّة بأن تلامس بشرتنا أو شَعر رأسنا أو ملابسنا الخارجيّة بخّة من قارورة عِطْر... كانت تلك السٌلطات تخشى علينا الدخول لحياة الميوعة... والعِطْر فى تلك السن كانوا يعدّونه الخطوة الأولى (للإنحراف المعيارى)... كان عِطرى الوحيد المسموح لى به هو ماء الوضوء! ولمّا دخلنا الحياة الجامعيّة انفلتنا من قبضة السُلطات الثلاث... فتوثثّقت صلاتنا الطيّبة بالعطور غربيها وشرقيها... ونالت قوارير العطر أوراق إعتمادها من عصبنا الشمّى... واختلطت بانوراما العطور بمنتهى (الإباحيّة) بشهيقنا وزفيرنا! لكنْ منذ دراستى الجامعيّة ومنذ أن افتتحت العطور سفارة لها على الطبقة الخارجيّة من جِلْدى وشَعر رأسى وملابسى لم أدخل متجرا مختصّا بالعطور لأشترى لنفسى قارورة خاصة... فقد كانت كل قارورة عِطر تقع بيدى أُُصدر عليها أمر قبض لأهديها لصديق أو صديقة... لكن لم يحدث أن اشتريت لنفسى قارورة... فقد كانت حيازتى العطريّة كلها من هدايا الآخرين! تعوّدت أن أهدى العطر مثلما تعوّدت أن يُهدى إلىّ... يأتينى هديّة من اتجاهات العالم الأربعة من اوسلو إلى كيب تاون ومن طوكيو إلى سان فرانسيسكو... وإن لم يأتنى الإمداد من الخارج يأتنى من جنوب دارفور أو غربها, قوارير تشم فيها رائحة التجارة الحدوديّة! قبل أسبوع نفد مخزونى الاستراتيجى من العطور... واقتربت آخر قارورة عِطْر أستخدمها من خط الصفْر... فحاصرنى شعور قَلِق من كل جانب بأنّ أوّل قارورة عِطْر أشتريها لأقتنيها لنفسى قد آنَ اوانها... وحينما اقتربت منّى ساعة الصّفر فوجئت بقادم من مملكة البحرين يُخرج من حقيبته هديته لى التى لم تكن سِوى قارورة عِطْر ذات عبق باريسى وبعدها بيومين تصدّقت علىّ باريس شخصيّا بقارورة منها... كانت هاتان القاروراتان إحباطا لمحاولة اقتنائى أوّل زجاجة عطر من جيبى الخاص! اليوم أرش عليكم عِطرا طبيعياً من ماء الورد بدلا عن عِطْر السياسة الذى نبخّه عليكم كل صباح...