في السيرة النبوية أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لصحابي جليل (تقتلك الفئة الباغية). وعاش ذلك الصحابي حتى جاءت الفتنة الكبرى، وخرج في جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وحارب الفئة الأخرى التي تقول أنها تأخذ بثأر أمير المؤمنين المقتول عثمان بن عفان وكانت تحت قيادة والي الشام معاوية بن أبي سفيان. وشارك ذلك الصحابي في الحرب وقتل. اعتبر المسلمون أن الفئة الباغية هي التي غرست سيوفها في جسد ذلك الصحابي وقتلته، وفي المقابل قال الأمويون إن الفئة الباغية هي التي جاءت به للحرب، ولولا مشاركته في الحرب لما قتل. فالفئة التي دفعته للحرب هي التي قتلته. فهي إذن الفئة الباغية. هذا النوع من الجدال انتقل بحذافيره إلى قضية الوحدة والانفصال. إذا انفصل الجنوب من يكون المتسبب الرئيسي في فصله. هل هو ذلك الذي صوت ب(نعم للإنفصال)، وقبل ذلك أعد المعينات لقيام الدولة الجديدة بتصميم علمها، ورصد 40% من ميزانية الإقليم لعدة سنوات لتجهيز جيش قوي للدولة الجديدة، مع باقي المعينات الأخرى .. أم شريك الحكم الذي لا يملك القدرة حتى على حماية أعضاء حزبه ودوهم في الولايات الجنوبية. قرار فصل الجنوب قرار كبير وغالبا ما سيسجله التاريخ كأخطر قرار يتخذه أهل السودان أو جزء منهم تحت مظلة الشرعية ربما بعد قرار الاستقلال في الأعوام الخمسين التي أعقبت الإستقلال. الجدل يدور بشدة هذه الأيام حول من تسبب في الإنفصال. الحجة الرئيسية التي تقول بها الحركة الشعبية هي أن المؤتمر الوطني لم يفعل ما فيه الكفاية ليجعل من لوحدة خيارا جاذبا. وحتى عندما حاولت الحكومة أن تسن قانونا يصعب اتخاذ القرار بالانفصال بجعله 75% من مجموع المشاركين في التصويت .. قامت عليها الدنيا ولم تقعد إلا بعدما أعيدت النسبة إلى 51%. لكن يبقى السؤال : ما هي المرجعية التي تقول بأن الشمال أو الحكومة الاتحادية أو المؤتمر الوطني .. هو المسئول عن جعل الوحدة خياراً جاذباً. اتفاقية نياشا دعت جميع الأطراف بأن تتجه نحو الوحدة في المرحلة الانتقالية. وبعد .. بصراحة كثيرون من السودانيين زاهدون الآن في الوحدة. نظريا الانفصال لا يتناسب لا مع الجنوب ولا مع الشمال، ولا مع إقليم شرق ووسط أفريقيا. لكن بعد المشاكسات التي أصبح السودان يتغذى منها كل يوم لم يعد الكثيرون يرغبون في الوحدة بشكلها الحالي، لكن لا أحد يريد أن يتحمل مسئولية الإنفصال تاريخياً.