دبابيس ودالشريف    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    شاهد بالفيديو.. غرق مطار دبي    قوة مختصة من مكافحة المخدرات نهر النيل تداهم أحد أوكار تجارة المخدرات بمنطقة كنور وتلقي القبض على ثلاثة متهمين    ماذا حدث بالضبط؟ قبل سنة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    قمة الريال والسيتي بين طعنة رودريجو والدرس القاسي    رونالدو ينتظر عقوبة سلوكه المشين    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    ولايات أميركية تتحرك لحماية الأطفال على الإنترنت    قطر.. متقاعد يفقد 800 ألف ريال لفتحه رابطاً وهمياً    جيوش الاحتلالات وقاسم الانهيار الأخلاقي المشترك    خبير نظم معلومات: 35% من الحسابات الإلكترونية بالشرق الأوسط «وهمية ومزيفة»    مصر.. ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية إلى 10 مليارات دولار خلال 2023    شرطة دبي تضبط حافلة ركاب محملة بأسطوانات غاز!    مواطنو جنوب امدرمان يعانون من توقف خدمات الاتصال    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    تفاصيل إصابة زيزو وفتوح في ليلة فوز الزمالك على الأهلي    اجتماع للتربية فى كسلا يناقش بدء الدراسة بالولاية    شركة تتهم 3 موظفين سابقين بسرقة عملائها    شاهد بالفيديو .. قائد منطقة الشجرة العسكرية اللواء د. ركن نصر الدين عبد الفتاح يتفقد قوات حماية وتأمين الأعيان المدنية المتقدمة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    الجمارك السعودية: دخول الأدوية مرهون بوصفة طبية مختومة    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم الدولة الإسلامية .. بقلم: د.أمين حامد زين العابدين
نشر في سودانيل يوم 04 - 11 - 2011


د.أمين حامد زين العابدين
ليست الدولة الإسلامية أحد أشكال الدولة التي يمكن تمييزها عن الأنواع الأخرى للدولة (الليبرالية،الديمقراطية،الفاشية) وإنما أحد الأشكال التي تعبر عن الإسلام كدين ويمكن تمييزها عنها وذلك مثل الفن الإسلامي، التصوف الإسلامي، علم الكلام الإسلامي، وتكمن القوة الأساسيّة لفكرة الدولة الإسلاميّة في عدم تعريفها.
Wilfred C. Smith; Islam in modern history (Princeton university press, 1957) pp.215, 239
كان تأسيس الدولة الإسلاميّة في السودان من أهمّ الأهداف التي سعت الجبهة الإسلامية القومية (الأخوان المسلمون) إلى تحقيقها بعد استيلائهم على السلطة في 30 يونيو 1989م باعتبارها الهدف الأقصى لبرنامج الحركة الإسلامية والذي ناضلت من أجله منذ تأسيسها في عام 1954م. فما هو المقصود بالدولة الإسلامية؟ وهل تتسم بخصائص تميزها عن الدولة القومية الحديثة أم هي متطابقة معها ولا يوجد أي فرق بينهما؟ وهل الشريعة مصدر وجوب الخلافة والدولة الإسلاميّة الأمر الذي يجعلها فريضة دينيةٍ، أم أن العقل هو مدرك وجوبها مما يسمح للمجتمعات الإسلاميّة حرية اختيار أفضل نظم الحكم التي تلائم روح العصر الذي يعيشون فيه وتحقق مقاصد العدل والحرية والمساواة بين المواطنين؟ وسنحاول في هذا الفصل تقديم الإجابة عن هذه الأسئلة ونبدأه بنبذة عامة عن أنواع الدول التي شهدتها البشرية، ونناقش في الجزء الأول نشأة الدولة الإسلامية والخصائص التي تميزها عن الدولة القومية الحديثة. ويعالج الجزء الثاني الآراء المختلفة حول مصدر وجوب الخلافة والدولة الإسلامية أهو الشرع أم العقل، ونختتم الفصل بنقاش تصور التيار السلفي والتقليدي (الإسلام السياسي) لمفهوم الدولة الإسلامية في العصر الحديث ورؤية تيار الإسلام الليبرالي التي تعتقد بأن الإطار المناسب لتحقيق نهضة المجتمعات الإسلامية في العصر الراهن هو صيغة الدولة القومية الحديثة التي ترتكز على نظام الحكم البرلماني الديمقراطي وتكفل التعايش والمواءمة بين الدين والدولة وبدون أي قطيعة نهائية بينهما.
الدولة هي مؤسسة تتكون من شعب وحكومة ودستور ينظم العلاقات بين أجهزة الحكم ويحدد الجهة التي تكون لها السيادة. وعرّف ماكس فيبر الدولة بقوله أنها " مجتمع بشري يدعي احتكار الاستخدام الشرعي للقوة الجسدية physical force في إطار أراضي إقليمية معطاة".1 وشهدت البشرية أنواعاً مختلفة من الدول مثل الدولة الديمقراطية في أثينا القديمة التي اعتبرت الشعب مصدر السيادة والسلطة ويتمتع بحق تعيين الحكام وعزلهم عن طريق الانتخابات التي تعقد في فترات يحددها الدستور،2 والدولة الأرستقراطية في عصر الإمبراطورية الرومانية التي اعتقدت بإلوهية الإمبراطور ومنحته السلطة الدينية والسلطة الدنيوية. وحافظ الأباطرة على سلطتهم الدينية بعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين للدين المسيحي في أوائل القرن الرابع الميلادي، وذلك بسيطرتهم على شؤون الكنيسة وتعيينهم لكبير الأساقفة. واستمد ملوك أوروبا شرعية حكمهم في بداية العصر الحديث من مبدأ الحق الإلهي للحكم الذي نجم عنه تجسد الدولة في شخص الملك كما كان الحال في عهد الملك لويس الرابع عشر في فرنسا، وإفراط ملك انجلترا شارلس الأول في ممارسة سلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية مما أدى إلى اندلاع الثورة الإنجليزيّة ضده في عام 1641م. وأدى قيام الثورة الفرنسية في عام 1789م إلى ظهور فكرة القومية وتأسيس الدولة الحديثة على النمط القومي الذي يدمج الأمة والدولة في كيان جامعnation state وترتكز على أسس السيادة الشعبية والمواطنة والديمقراطية التي تتيح للشعب فرصة محاسبة الحكام والنوّاب وتبديلهم عبر آلية الانتخابات الدورية. وتعتمد الدولة الحديثة على المنهج العقلاني في سن التشريعات لتنظيم الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع، وهو ما أشار إليه ابن خلدون في تعريفه لحقيقة الملك أو الحكم المدني بقوله إنه: " يرجع إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة وينقادون إلى أحكامها... فإذا ما كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة ونصرائها كانت سياسة عقلية" 3.
وساهم هذا التطور في بنية الدولة في تشكيل العالم الحديث الذي يعتبر من أبرز سماته اقتصاد السوق النقدي، والتقدم الصناعي، والتكنولوجي والديمقراطية الليبرالية البرلمانية.
نشأة وخصائص الدولة الإسلامية
أسس النبي (ص) أول دولة إسلامية في المدينة لترسيخ الدين الجديد وإدارة الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأعضاء الأمة الإسلاميّة الناشئة على هدي الأحكام الإلهية التي وردت في القرآن الكريم. وتنعكس الطبيعة الدينيّة للدولة الجديدة في وثيقة دستور المدينة (الصحيفة) التي هدفت إلي تحديد مرجعية الدولة، وحقوق أعضاء الأمة الإسلامية وواجباتهم وتنظيم العلاقة بينهم. فنصت على أنّ المؤمنين" أمة واحدة من دون الناس ... وأن المؤمنين بعضهم مولى بعض دون الناس ... لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم ... وأن يهود الأمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ... وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ... وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث واشتجار يخاف فساده ...فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله ..."4.
وأطاع المسلمون حكم الرسول الذي كان يقوم بالقضاء بين الناس، وينفذ الأحكام علي من يلتزم بالحدود وأحكام القرآن الكريم ويولي الصحابة لإدارة شؤون ومصالح الناس الدينية والدنيوية في أقاليم الدولة الإسلاميّة .5 ودفعت الطبيعة الدينية لدولة المدينة في عهد النبي (ص) المستشار محمد سعيد العشماوي إلى تسميتها بحكومة الله (( حيث يحكم النبي بإرادة الله، ويقضي بوحيه ويأمر بنوره.. لذلك تكون طاعة لله وتكون مبايعة الرسول مبايعة لله (من يطع الرسول فقد أطاع الله . النساء 8:4) (إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله. الفتح10:48).6 وظهرت مؤسسة الخلافة لتكون الإطار الجامع للدولة الإسلامية بعد وفاة النبي ومبايعة أبي بكر لقيادتها باعتباره خليفة رسول الله.
وتميزت الدولة الإسلاميّة في عهد الخلفاء الراشدين (632-658 م) بالتداخل بين الديني والدنيوي وغياب قطيعة حاسمة بينهما. وينعكس الجانب الدنيوي في بروز عامل العصبية والقوة حين نشوب النزاع بين المهاجرين والأنصار حول ترشيح خليفة رسول الله، والذي حسمه عمر ابن الخطاب بمبايعة أبي بكر الصديق، وفي إدارة الخلفاء وأشرافهم على الشؤون الاجتماعية والاقتصادية للدولة، وتنفيذ الأحكام القانونية والقضاء بين الناس. وهيمن الطابع الديني على شكل الدولة في عهد الخلفاء الراشدين خاصة وأن الدعوة إلى الدين الجديد ونشر الإسلام في البلدان المجاورة قد كان من ضمن وظائفها الأساسية . 7وتنعكس الطبيعة الدينية لنظام الحكم في اعتقاد الخلفاء بأنهم يستمدون سلطاتهم من الله، فعندما كان الخليفة عمر بن الخطاب يوزع المال بين الناس، أقبل سعد بن أبي وقاص يزاحمهم مما دفع الخليفة إلى ضربه بالدرة وقال له: ((إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك)) 8 وكان الخليفة عثمان بن عفان يقول للمتمردين الذين حاصروا داره وطالبوه بالتنازل عن الخلافة لقولهم أنزع لنا: (( لا أنزع سربالاً سربلنيه الله ولكن أنزع عما تكرهون)).9
وعزى ابن خلدون غلبة الطابع الديني على نظام الحكم في الدولة الإسلامية منذ نشأتها إلى حقيقة أن الدولة الدينية هي السبيل الوحيد لتنظيم العرب في إطار نظام للحكم وذلك لأن طبيعة البداوة المتأصلة فيهم والتي حالت دون اجتماعهم البشري قد جعلت من الضروري ظهور نبي وسطهم ((يحثهم على القيام بأمر الله...ويصيرون إلى سياسة الملك بعد انقلاب طباعهم وتبدلها بصبغة دينية...واعتبر ذلك بدولتهم في الملة لما شيّد لهم الدين أمر السياسة بالشريعة وأحكامها المراعية لمصالح العمران ظاهراً وباطناً وتتابع فيهم الخلفاء وعظم حينئذ ملكهم وقوي سلطانهم10)) لذلك كان تعريف ابن خلدون لمؤسسة الخلافة بأنها هي: ((حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية .. فهي حقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.)).11 وأدت الاضطرابات التي شهدتها الدولة الإسلامية في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان وتطورها إلي حرب أهلية في عهد الخليفة الرابع علي بن أبي طالب واغتياله في أعقابها إلى تحول الخلافة إلى النظام الملكي بعد إن تقلد معاوية بن أبى سفيان الحكم وقام بتوريث الحكم إلى ابنه يزيد بن معاوية. ووصف ابن خلدون هذا التحول بقوله:((..عندما صار الأمر إلى الملك ..بقيت معاني الخلافة من تحري الدين، ومذاهبه.. ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق ألا اسمها وصار الأمر ملكاً بحتاً.. وهكذا كان الأمر لولد عبد الملك ومن جاء بعد الرشيد من بني العباس واسم الخلافة باقياً فيها والملك في الطورين ملتبسين بعضهما ببعض.))12
وساد الجانب الدنيوي على الديني في عهد الأمويين والعباسيين حيث لم يسم نظام الحكم بالدولة الإسلامية وإنما بأسماء مؤسسيها مثل الدولة الأموية، والدولة العباسية. وبالرغم من ذلك فقد حرص خلفاء الدولة الأموية والدولة العباسية على إضفاء الصبغة الدينية على حكمهم وسلوكهم لاكتساب الشرعية، وقمع كل من يعارضهم بحجة عدم طاعته لولي الأمر وهجومه على الدين والإسلام. فبدأ خلفاء الدولة الأموية يستخدمون لقب خليفة الله منذ بداية عهدهم بدعوى أن الله سبحانه وتعالى قد عينهم لمنصب الخلافة .13 وقال الحجاج بن يوسف في إحدى خطبه: ((أن أمير المؤمنين عبد الملك هو القائد الذي اختاره الله خليفة له في الأرض واختاره الإمام لمخلوقاته)).14وأطلق الخليفة أبو جعفر المنصور على نفسه لقب سلطان الله في الأرض. وأوصى أبو يوسف القاضي الخليفة العباسي في مقدمة كتاب الخراج بقوله:(( إني أوصيك يا أمير المؤمنين بحفظ ما استحفظك الله ورعاية ما استرعاك الله .. أن الله بمنه جعل ولاة الأمر خلفاء الله في أرضه وجعل لهم نوراً يضيء للرعية ما أظلم عليهم..))15
وحرص خلفاء الدولة العباسية على إسباغ قدسية الدين على مؤسسة الخلافة بتشجيعهم للفقهاء علي تضمين قضايا الخلافة وشؤون الحكم في كتب الفقه التي تختص بأحكام الشريعة لتبرير فرضهم الضرائب على المسلمين واكتساب الشرعية لحكمهم ضد معارضة الشيعة والخوارج. 16 وتمّ بذلك اعتبار تنصيب الخليفة واجباً وفريضة دينية من فروض الكفاية .17
ويمكن تعريف المعنى الدقيق لمصطلح الدولة الإسلامية بتحديد أهمّ خصائصها خاصة تلك التي تميّزها عن الدولة القومية الحديثةnation state . Modern ومن أبرز هذه الخصائص:-
1- الحاكمية أو السيادة:-
يشير مفهوم الحاكمية أو السيادة إلى المصدر الذي تؤول إليه السلطة العليا في الدولة. وتجسدت السيادة في معظم الدول عبر التاريخ في شخص الحاكم مثل الإمبراطور أو الملك أو في الإرادة الشعبية حيث يستطيع المواطنون اختيار نوابهم الذين يمثلون السلطة التشريعية والحكام لسن القوانين وتنفيذها ويتمتعون بحق محاسبتهم وتغييرهم عبر آلية الانتخابات الدورية. ويعتبر الله سبحانه وتعالى وحده مصدر السيادة والحاكمية في نظام الحكم الإسلامي. ومارس الرسول (ص) السيادة نيابة عن الله في الدولة المدنية لمباشرة القضاء وتنفيذ القوانين الإلهية الواردة في القرآن الكريم من أجل تنظيم الشؤون الدينية والاجتماعية والاقتصادية للأمة الإسلاميّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الخوارج هم أول من استخدم مصطلح الحاكمية للتعبير عن معارضتهم لقبول علي بن أبي طالب التحكيم في حربه ضد معاوية بن أبي سفيان قائلين: ((لا حكم إلا لله)) بحجة إنّ القرآن قد حكم في الصراع ضد فئة معاوية الباغية والثائرة على ولي الأمر.
وصاغ أبو الأعلى المودودي في العصر الحديث الأساس النظري لمفهوم الحاكمية للتمييز بين مفهوم السيادة في الدولة وذلك بقوله:(( الحاكمية في الإسلام خالصة لله وحده وأنّ الإنسان لاحظ له من الحاكمية إطلاقاً. وخلافة الإنسان عن الله في الأرض لا تعطي الحق للخليفة في العمل بما يشير به هواه ..فالخصائص الأولية للدولة الإسلامية ثلاث:-
1- ليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو حزب أو سائر القاطنين في الدولة نصيب من الحاكمية, فان الحاكم الحقيقي هو الله والسلطة الحقيقية مختصة بذاته وحده..
2- ليس لأحد من دون الله شيء من أمر التشريع. والمسلمون جميعاً ولو كانوا بعضهم لبعض ظهيراً، لايستطيعون أن يشرعوا قانوناً.
3- أن الدولة الإسلامية لا يؤسس بنيانها إلا على ذلك القانون الذي جاء به النبي (ص) من عند ربه مهما تغيرت الظروف والأحوال. 18
كما لم يعتبر المودودي الديمقراطية والتعددية الحزبية من خصائص الدولة الإسلامية وذلك لارتباطها الوثيق مع مفهوم السيادة الشعبية الذي يخالف مفهوم الحاكمية في نظام الحكم الإسلامي. وقال في معرض ذلك:((أن الديمقراطية القومية العلمانية تعارض ما تعتنقون من دين وعقيدة ..أن الإسلام الذي تؤمنون به يختلف عن هذا النظام الممقوت اختلافاً بيّناً.. فحيث يوجد هذا النظام فإننا لا نعتبر الإسلام موجوداً، وحيث وجد الإسلام فلا مكان لهذا النظام.)) 19 وقال أيضاً: ((لو أردنا إن ننظم أمور حياتنا السياسية والاقتصادية طبقاً لذلك النظام الذي أقرّه الإسلام فلن نكون بحاجة إلى الانقسام إلى أحزاب مشتتة، فحزب واحد –حزب الله- يكفي لكل شيء. ففي ظله لن يكون هناك أي صراع من أجل صالح أصحاب رؤوس الأموال أو صالح العمل.))20.
2- تولي الخليفة لسلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية:-
استمر الخلفاء في ممارسة سلطة تنفيذ القوانين الإلهيّة الواردة في القرآن والسنة النبوية ومباشرة القضاء بعد وفاة الرسول (ص) وتوليهم مقاليد حكم الدولة الإسلاميّة في المدينة. 21 واستخدم الخلفاء منهج القياس والرأي لإصدار الأحكام في الوقائع المستجدة التي لم يرد لها ذكر في القرآن والسنة وذلك مثل الحكم الذي أصدره أبو بكر الصديق لمحاربة المرتدين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة بحجة أنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة. واستند على قياس هذا الحكم بالآية القرآنية التي افترضت الجمع بين الصلاة والزكاة ((فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين.)) واشترط قبول الصلاة والزكاة معاً بدون أي تفرقة بينهما لكي يمتنع عن قتالهم .22
ولم يخطر بذهن الصحابة تأسيس مؤسسات أخرى لأداء وظائف القضاء وإصدار التشريعات في الوقائع الجديدة باستنباط الأحكام من القرآن والسنة عن طريق القياس والرأي بسبب بساطة حياة المجتمع الإسلامي وخلوها من التعقيد في عصرهم وعدم وجود تفاصيل لنظام الحكم ومؤسساته في القرآن والسنة واقتناعهم بقدرة الخليفة على أداء المهام القضائية والتشريعية إلى جانب وظيفته التنفيذية. واقتصر اهتمام الفقهاء في العصر العباسي، عند تناولهم لقضايا الخلافة والحكم في أعمالهم الفقهية، على شخص الحاكم والصفات الحميدة التي يجب أن يتميز بها بدون وضع اعتبار لاحتمال افتقار الحاكم لصفات الحاكم الجيّد بعد توليه الحكم ونزوعه إلى الاستبداد بالرأي وتجاهل المصلحة العامة. ونجد أن الدولة الحديثة حصرت تركيزها على تنظيم المؤسسات وليس على صفات الحاكم. فأنشأت الجهاز القضائي لأداء المهام القضائية والجهاز التشريعي للقيام بوظيفة التشريع ومراقبة ومحاسبة الجهاز التنفيذي للدولة، كما حددت آليات معينة لتسوية النزاع بين مؤسسات الدولة عن طريق الدستور والمحاكم والانتخابات الدورية.
وتجدر الإشارة إلي أن عدم وجود مؤسسات في الدولة الإسلامية في عهد عثمان ابن عفان لتسوية النزاع بين الخليفة والجمهور عند حدوث الاختلاف بينهم حول بعض القضايا التي تختص بسياسة الدولة، بسبب الظروف التي أشرنا إليها سابقاً، قد أدى إلى احتدام حدة الصراع ولجوء الجمهور إلى العنف واغتيال الخليفة لحسم الخلاف.
3 -تعدد طرق اختيار الخليفة:-
يعتبر عدم وجود طريقة وحيدة لانتخاب الخليفة من أبرز الخصائص التي تميز الدولة الإسلامية عن الدولة القومية الحديثة. وأدى حرص الفقهاء على أتباع تقاليد السلف والخشية من ابتداع وسيلة جديدة لاختيار الخليفة إلى اعترافهم بشرعية كل الطرق وصحتها تلك التي اتخذها الخلفاء السابقين لانتخاب الخليفة. ومن ضمن الطرق التي اتفق الفقهاء علي صحتها الشرعية حق الخليفة بأن يختار شخصاً بعينه ليكون الخليفة من بعده وذلك مثل عهد أبي بكر الصديق للخلافة من بعده إلي عمر بن الخطاب. كما يجوز للخليفة اختيار بعض الأشخاص للتشاور واختيار شخص من بينهم ليكون الخليفة من بعده مثلما فعل عمر ابن الخطاب قبل وفاته عندما طلب من علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وطلحة والزبير ابن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف للاجتماع بعد وفاته وانتخاب أحدهم لتولي الخلافة بعده. وأقرّ الفقهاء شرعية تولية الخليفة للعهد من بعده إلى ابنه أو والده أو أخيه حسب التقاليد التي سادت في العهدين الأموي والعباسي. ومثال ذلك ترتيب هارون الرشيد لولاية العهد إلى أبنائه الأمين ثمّ المأمون ثمّ المؤتمن. وقال الماوردي في هذا السياق: ((لو مات الخليفة والثلاثة من أولياء عهده أحياء وأفضت الخلافة إلى الأول منهم فأراد أن يعهد بها إلى غير الاثنين مما يختاره، فمن الفقهاء من منعه من ذلك حملاً على مقتضى الترتيب إلا أن يستنزل عنها مستحقاً طوعاً)) 23
وأقرّ الفقهاء شرعية حكم الشخص الذي اغتصب الحكم عنوة من الخليفة الحاكم كما ذكر الماوردي وذلك بقوله:(( أنّ استولى عليه من أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور من غير تظاهر بمعصية ولا مجاهرة بمشقة فلا يمنع ذلك من إمامته ولا يقدح في صحة ولايته ولكن ينظر في أفعال من استولى على أموره فإن كانت جارية على أحكام الدين ومقتضى العدل جاز إقراره عليها تنفيذاً لها وإمضاء لأحكامها لئلا يقف من الأمور الدينية ما يعود على فساد الأمة)) 24. وقال الجويني في حكم المستولي على الخلافة: ((فإن تصور توحد كاف في الدهر لا تبارى شهامته ولا تجارى صرامته.. فيتعين نصبه ثمّ تعيين تفصيله كتفصيل تعين من يصلح للإمامة كما تقدم حرفاً حرفاً.. لو جرت فترة في بعض الأعوام وجرت ما نحاذره من خروج الأمور عن مسالك الانتظام للقي أهل الإسلام أهوالاً واختلالاً ولأكل بعض الناس بعضاً واستجرأ الكفار))25
ويحدد الدستور في الدولة القومية الحديثة طريقة وحيدة لاختيار رئيس الدولة لكي يحكم البلاد لفترة زمنية محددة وذلك عن طريق التصويت الشعبي في فترة الانتخابات الدوريّة. ولم يكن الأمر كذلك في الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين بسبب عدم وجود نص في وثيقة دستور دولة المدينة (الصحيفة أو الكتاب) يحدد كيفية اختيار حاكم الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي (ص)، وعدم تعيين النبي لأي أحد من الصحابة لكي يقوم بحكم المسلمين من بعده ولحرص الفقهاء على الاعتراف بشرعية كل الطرق التي اتبعها الخلفاء في الماضي لاختيار وانتخاب الخليفة الذي سيحكم الأمة الإسلامية من بعده.
4- الأمة الإسلاميّة:-
وصفت وثيقة دستور دولة المدينة المؤمنين الذين شاركوا النبي (ص) في تأسيسها بأنهم أمة واحدة. وتميزت العلاقات التي نظمتها الصحيفة بين أمة الإسلام واليهود بالتعايش السلمي والتسامح. وكان من أهمّ أهداف الدولة الإسلامية الدعوة إلى الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على النبي (ص). ونجح الخلفاء الذين تولوا الحكم بعد وفاته في نشر الإسلام في البلدان المجاورة حيث اعتنقه معظم سكانها لإيمانهم بمبادئه السامية. ولم تكن للدولة الإسلامية حدوداً ثابتة لارتباط الأرض التي تخضع لسلطانها بمدى نجاح الخلفاء في توسيع أراضيها الإقليمية (دار الإسلام)، ونشر الإسلام. وأصبح الدين الإسلامي أساس الولاء ومعيار الهوية للأقوام الذين تضمهم الأمة الإسلامية رغم لغاتهم وجنسهم ولونهم باعتبارها مجتمع الله الذي يتجاوز حدود وأراضي الأقطار والانتماءات القومية والقبلية. لذلك يعتبر الولاء للدين من الخصائص الأساسية التي تميز الدولة الإسلامية عن الدولة القومية الحديثة حيث تضم الأخيرة في إطار حدود أراضيها الثابتة الشعب الذي عاش فيها منذ القدم (اليابانيون في اليابان والإنجليز في إنجلترا والأسبان في أسبانيا)، ويكون الولاء فيها للوطن - الذي يسمى في معظم الأحيان باسم الشعب الذي يقطنه- بدلاً عن الدين وتجعل المواطنة معياراً للهوية لضمان المساواة في الحقوق والواجبات ووظائف الحياة العامة بما فيها رئاسة الدولة بغض النظر عن الدين الذي يعتنقونه.
وأشار المودودي إلي هذا الاختلاف الأساسي بين مفهوم الأمة الإسلامية والدولة القومية الحديثة بقوله: (( إنّ الإسلام والقومية يتعارضان معاً من حيث روحيهما وهدفيهما.. ومن خصائص الدولة الإسلامية التي تمتاز بها عن غيرها أنّه ليس لعنصر القومية حظ في ايجادها وتركيبها.. وإن كان ثمة عدو لدعوة الإسلام – بعد الكفر والشرك – فهو شيطان الجنس والوطن))26 وذكر دكتور عبد الله النعيم أنّ المشكلة الأساسية التي تواجه مفهوم الأمة الإسلامية في العصر الحديث هي ((إقصاؤها للمواطنين غير المسلمين في الدولة لأن الشريعة تقصي تماماً غير المسلمين وتحد من مشاركة النساء المسلمات في إدارة شؤون الدولة. ولا ينسجم هذا الأمر مع المتطلبات الدستورية الحديثة التي تكفل المساواة وعدم التمييز بين المواطنين))27


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.