قد لا يشكل مرور الايام وتتابعها الكثير من الاختلافات في نمط وشكل الحياة .. ولكن مرور الايام يكوّن الاسابيع ثم الشهور التي تسلمنا للسنين فتنتظم حباتها عقوداً .. وحينها فقط عندما نتحسس عقود أعمارنا، نستطيع بسهولة ان نميز حجم التغير الذي طرأ علي حياتنا، وعظم التحولات التي وقعت على نفوسنا ومجتمعاتنا .. وبهذا التحسس نستطيع أن نميز كيف أن تقدم خطوات السنين إلى الامام قد صحبه الكثير من التراجع خطوات تنظيم إلى الوراء، فمع تطور الحضارة والمدنية وازدياد الوعي الديني تراجعت القيم والاخلاق في زمانا الى الخلف در .. - زماآآآن .. زمن الجدود، لم تكن معاقرة أم الكبائر عيبا يعاب به الرجال، ولا يستتاب عنها إلا بعد حج البيت في ارذل العمر، أما الالتزام بالصلاة ف عادة مصاحبة للتقدم في السن والشيخوخة، لا يسأل عن تركها الشباب .. وكانت صلاة غير القواعد من النسوان عجبة، أما (المرة الصلاية) فيستعاذ من شرّها زيها وزي الجدادة العوعاية! وكانت الخلوة تقوم مقام وزارة الشئون الدينية ( يا ربي عندنا وزارة بالاسم ده)، وشيخ الطريقة هو قاضي القضاة ومفتي الديار كلمته مسموعة وطلباته أوامر .. وان طلب منك أن (تقوم تقع البحر) .. تقوم طوالي بي دربك! بالمقابل كانت القيم والاخلاق السمحة هي سيدة التعاملات .. توقير الصغير للكبير ورحمة الكبير بالصغير .. كان الرجل (كلمة) وكان (الراجل بيتمسك من لسانه) فان وعد أوفى وان حدث صدق وان اؤتمن حفظ الامانة بروحه ودمه.. كان التعدد نعمة والعدل بين الزوجات واجب يُُذم تاركه، فقط سمعت من جداتي أن جدي كان عندما يذهب للسوق كي يشتري لزوجتيه (تياب الزراق) كان يحرص على أن يختار للاثنتين نفس النوع والخامة، بل ويصر على البائع أن يضع التوبين على كفتي الميزان حتى لا يكون احدهما اثقل من الآخر!! كانت الزوجة الأولى الزمان، عندما يبلغها الزوج عن عزمه على الزواج تكتفي بالقول: أبشر بالخير .. الله يقدّرك وتشيل! تلك القيم السمحة كانت تجعل تربية اطفال الاثنتين، تتم في جو سليم ملئ بالمحنة ومعافى من العقد .. حتى أن الأطفال ينادون الاثنتين ب (أمي فلانة) و(أمي علاّنة) ! الأمانة والصدق في التعامل المالي والتجاري، كان يقاس ب ميزان الدهب أب كفةً راجحة .. لا غش ولا ربا ولا كسر ولا شيكات طائرة، أما الآن فبالرغم من ازدياد الوعي الديني والالتزام بالصلاة في المساجد، إلا أن هذا التدين الظاهري لم يعد يشكل أي عائق يمنع التاجر من ممارسة الغش بسهولة شربه للماء! كان الصانع يتفانى في اتقان وتجويد صنعته ف (تبالي بالعمر) دون أن تبلى، بينما يصنع الصانعون في أيامنا المصنوعات الdisposable) ) فكثيرا ما نشتري سريرا ب (غالي التمن) فنكتشف أنه (شقليب عنقريب الضيفان) يتكايت بالضيف بمجرد الجلوس عليه .. وبينما ما زال (فندك البن) الذي احضره أبي في شيلة أمي يعمل بكفاءة، ابليت أنا - تقريبا - منذ زواجي أكثر من عشرة فنادك، فأمام أول خبطة من (اليد) ينفقش الفندك إلى نصفين أو يتنصل وينفصل البودي عن الشاسي!