في مقالي المعنون (نساؤنا والسمو الفكري لملكة سبأ) ، راجع عدد 4 سبتمبر 2009 بموقع الرأي العام على الانترنت، تطرقت بصورة عابرة لعلم التحريك والنقل من بُعد او التلابورتنق (Teleporting). اذ أنه عندما طلب سيدنا سليمان (عليه السلام) من الجن أن يأتوه بعرش ملكة سبأ، تقدم عفريت منهم للمهمة قائلا: «أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين» ولكن يبدو ان العملية فاز بالتكليف بها آخر (عنده علم من الكتاب): «قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك». وعلم التحريك والنقل من بُعد علم واعد لم تتعد خطوات الانسان فيه المجال النظري الا قليلا. وبعض الناس يعول على الآفاق الجديدة (من تجارة وحرية حركة للاشخاص) التي سوف يفتحها هذا العلم عندما ترتقي مقدرات الانسان الى التعرف على هذه الجزئية من كتاب الكون. وأنت ايها القارئ الكريم اذا كنت تقرأ هذا المقال عبر الشبكة العنكبوتية، فإنك تتحكم (بصورة محدودة) وتُحرك من بعد ملفات في حاسوب قد يكون على بعد آلاف الاميال منك. وفي هذه العجالة أود ان يصحبني القراء الكرام في رحلة خيالية الكترونية نحاول فيها شراء بيت من أمريكا وإقناع احد عفاريت سيدنا سليمان لكي يقوم بنقله من بُعد الي السودان. اولا نحتاج ان نقوم بشئ من «الغوغلة» على موقع الباحث الالكتروني غوغل. ودعنا نحاول شراء بيت في مدينة جاكسونفيل عاصمة ولاية فلوريدا الاميركية ونقله الي قرب موقع الرأي العام بالخرطوم. وفي موقع غوغل نحول مؤشر البحث الى (Maps) أي الخرط ونكتب (foreclosure Jacksonville FL ) اي البيوت المعروضة في الدلالة في مدينة جاكسونفيل عاصمة ولاية فلوريدا. ونطلب من مؤشر غوغل ان يبحث عن بيت يحتوي على الاقل على ثلاث غرف وحمامين في حدود المائة الى مائة وخمسين الف دولار. ودعونا نختار البيت الواقع على هذا العنوان (Wood Dove Ct, Jacksonville, Florida 32221 955) والذي يبلغ ثمنه حوالي مائة واربعين الف دولار. بيت سمح!! مش كده؟ ولو عازين تشوفوا صورته وتتفرجوا على غرفه من الداخل انقروا على :listingdetails.html?st=FL&ci=Jacksonville&ps=10&listingid=21069312) ايضا دعونا نفترض اننا اتفقنا مع دلالي الجرس الامريكان على تخفيض السعر الى مائة وعشرين الف دولار. وبما اننا سوف ننقل هذه البيت الى السودان نخصم قيمة الارض التي في حوالي الاربعين الف دولار وبذا نتفق معهم على دفع مبلغ ثمانين الف دولار (اي حوالي مائتي مليون جنيه بالقديم). ونطلب من احد عفاريت سيدنا سليمان ان يقوم بنقله الي جوار مبني الرأي العام بالخرطوم في جزء من الفسحة الواقعة شرق عمارة الفيحاء. ولنفترض ان العفريت حمل البيت الى سماء الخرطوم وتجمهر الناس يبحلقون في البيت (الشبيه بالفلل الرئاسية) المعلق في السماء بإنتظار ان يحط على الارض. اول مشكلة سوف تواجهنا هي أن هذا البيت مستورد ولازم ندفع جمارك على مواد البناء المكون منها وكذلك رسوم تصريح المباني وجبايات المحلية. ولنفترض اننا اتفقنا على أن ندفع مائة في المائة جمارك وتصاريح. يعني سعر البيت ضُوعف الى مائة وستين الف دولار. وتبقى الطامة الكبرى وهي سعر الارض قرب مبنى الرأي العام ورسوم تسجيلها والتي قد تناهز ربع المليون دولار. يعني ده كلام! بيت امريكي دافعين فيه ثمانين الف دولار علشان يلقى ليه مطرح في الخرطوم يبقى ثمنه حوالي النصف مليون دولار. وهنا يقول العفريت: انتو بلا رسومكم الحكومية الكتيرة دي المغلي بلدكم دي شنو؟ يلا كفاية غلبة انا فترت من نِقتكم الكتيره دي والبيت ده انا مرجعه لى محله في أمريكا. احد البلاوي التي ابتلينا بها في السودان هي ان احزابنا السياسية تعج بقليلي الفهم في الاقتصاد، وارجو ان تسمحوا لي بأن اسميهم (ساسة الشيخ سيّرو) مع الاعتذار مقدما للفنان عبدالكريم الكابلي. اي والله ... يتصرفون بعقلية ثلاثة قدور سُرتية وثلاثة قدور صندلية وكمان النسيبة غير المسؤولة ماليا قالت شوية وحرمان مابدخلن عليّ!. يا أيها الناس: بلادنا في امس الحاجة الى ساسة يفقهون معنى الإيلاف، او من قد يكون الفنان زكي عبدالكريم سماهم بناس (العرس بالفاتحة مالو؟ ما حلال!). نعم نحن في امس الحاجه الى ساسة يفقهون ان عبادة رب هذا البيت ينبغي ان تكون مؤتلفة مع الاطعام من جوع والإيواء من خوف. . أي بمعني آخر نحن في حاجة لساسة يتبعون هدى رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) وسادتنا ابوبكر الصديق، عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان (وكلهم كانوا رجال اعمال ناجحين). ساسة يفقهون ان سورة قريش ليست سورة قصيرة يقرأها الاطفال فقط، بل هي سورة عميقة المعني تقرن العبادة بالإقتصاد عبر رحلتي الشتاء والصيف (اي بتعبير اليوم ... كسب وأكل عيش الناس). ومن اكبر اخطاء قطاع غير يسير من الساسة عدم ادراكهم ان ما ابتدعه الرئيس الراحل جعفر نميري من استخدام للاراضي كمصدر تمويل للحكومة أمر بالغ الاثر وعظيم الضرر على معاش ونسيج المجتمع. فكل مجتمع لا يستطيع الشباب فيه الحصول على سكن (اي فتح بيت الزوجية) يعاني من خلل اقتصادي رهيب.