اتاحت لي فرصة قراءة تاريخ جيل الاستقلال، ان اتعرض لنموذجين من رجاله الميامين: الرائد احمد السيد حمد، حياه الله وحفظه وحماه، الذي جمعت سيرته عصمة الرسالة ونبل الزعامة، والمغفور له يحيى الفضلى الذي جمع في كنفه حراك الصفوة المميزة ونضال الشعبية الممتعة الممتنعة.. وهذه فرصة تكريم «علي شمو شاع الدين» تتيح له فرصة الحديث عن عالمية سودانية تفتح للسودان مجالا في علم الاتصال ومجتمع المعلومات.. وقد تولى «علي شمو» الوزارة كصنويه، ولكنه كان حقبة وامة من الوزراء، كما توجت سفارته عهدا عزت فيه السفارة ولم يعرف بعد السفراء.. واتسم عبوره دائما الى كل ما عهد له به، بأخلاق سامقة واريحية لامعة، وعبقرية الرجال المحترمين.. وانفرد بتعليم جامعي، اختلف عن جامعة الناس التقليدية، لانه قد اختار لنفسه هذه الجامعة، بين علوم الدين والحياة وبين الشرق والغرب والمهم عنده لم يكن هيكلة ما يسمى بالهارد وير «Hard Ware» ، ولكن اهتم بال «Soft Ware» مما ينفع بلده ومجتمعه - وسأخصص هذه التأملات لعالمية شمو التي تربطه بعلم الاتصال والتي نرجو ان يكلف ويفرغ في النهاية ليمثل السودان كما كان يمثله في مقاعده العالمية والعلمية الأولى.. وهذه لعمري ثمرة التكريم التي اقدمت عليها جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا وتفردت بها بين الجامعات، ولن اتحدث عن ايام «شمو» الأولى في مصر، فلم يسمح لي السفر الباكر الى باريس ان اسجل عبقريته الباكرة هناك والتي وان ادعى انها صدفة الا انها نتيجة عبقرية باكرة نالها بالجد والعلم والهمة والمثابرة في روح رياضية وبدنية معاً، فتحت له الابواب الموصودة ، وقد كنا نحن نفخر بأننا من مرتادي صالون «الاهرام» ايام انطون الجميل ونعد ذلك نصرا وفوزا، واذا بشمو يقرع باب الاذاعة المصرية سيدة الاعلام في ذلك الوقت والموصدة الابواب الا للقليل من شباب العرب امثال شمو..ولئن حرمت ان اكون شاهدا على عصر شمو في شبابه، فقد منّ الله علىّ بأن احضر بضع ندواته المشهورة فيما بعد وقد كان يرودها بمقدرة فائقة ويلتف حوله نفر كريم من رجال الصحافة والادب في مصر وينتظرون أوبته كما ينتظر الماء العذب ذوت الغلة الصادي.. وفي هذه المناسبة اذكر حمدي قنديل، وفؤاد عمر، وسعد لبيب، ومنصور وغيرهم من رجال الادب والصحافة، الذي كلفني الاستاذ سعيد عمارة في محادثة تلفونية طويلة ان احمل الى جمع السودان الذين يكرمون شمو هذه الايام، مكانة شمو وسط العرب والمصريين، وتمثيل مصر في جمعهم الكريم بمساعد وزير الثقافة المصري فاروق حسني، الفنان الذي يتأهب لترشيح نفسه لادارة منظمة اليونسكو، والذي نؤيده لأنه أول فنان يتولاها بين قادتها النخب.. ومما يذكر لشمو في عالم الاتصال، أنه ابدع ميلاد اتحاد الاذاعات العرب في مولده في بلده السودان، وكانت مشكلته الأولى، المهنية والممارسة والجمع بينهما، ولكن شمو استطاع ان يحل العقد كما تعود ان يحل العقد في حياته مع الناس.. اما الحادث الآخر وقد كنت شاهدا عليه، ويروده في ذلك الوقت اديبنا الكبير الطيب صالح، فهو انعقاد اجتماع وزراء الاعلام العرب في الخرطوم التي تلألأت لاءاتها العربية من قبل ولا اعرف لماذا كان متعسرا هذا اللقاء وقد انتصر مدير اليونسكو في معركته لبناء نظام اعلامي جديد. وهنا تضافرت الجهود لتكون الخرطوم مكان هذا الاجتماع، وهذه من ايادي شمو البيضاء. ان «علم الاتصال» علم حديث، وقد بذل من حوله الجهد لينقل الامر من «تدفق معلومات» الى حق انساني لا في المعلومات وحدها ولكن في المشاركة في تكوينها وتبثها بثاً مباشراً... وكان شمو قد خطا خطواته نحو الاتصال بالعالمين الفنلدييين من فنلندا بلد الشمال الاوروبي وهما اول من نادىا وهاجما عدم التوازن العالمي الذي يتميز به النظام القديم الذي يعطي لمن يملكون حقا على غير من لا يملكون، وتكون هذه الفجوة او الفرقة التي تعيد الاستعمار في شكله الجديد، هذا الداء الذي اصابنا في مأساة دارفور وعرضها المعوج غير المنصف في العالم، وقد تبين الآن وبعد الحديث عن «التغيّرات المناخية» وصدور التقارير العالمية عنها ان دارفور في كثير ولا اقول في كل شيء كانت ضحية الانبعاث الحراري، الذي يسببه انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون نتيجة التصنيع المفرط وعدم مراعاة الطاقة النظيفة، ومصدر هذه الانبعاثات الغازية في مجملها البلاد الصناعية وخصوصا الولاياتالمتحدة وهي تملك صمامات الأمان والتكيف والحماية بينما تنقصنا نحن هذه الضمانات التي نكتوي بنارها. قد شغلت باليونسكو حينا من الدهر، كعامل فيها ثم شرفت بتمثيل بلادي في مجلس إدارتها التنفيذي، ولكن سبقني شمو الى مواضيع الساعة من تدفق المعلومات وقدسيته ومن دعم علم الاتصال واهمية لبلادنا الذي تولد عن تطوره البث المباشر بدلا من البرامج المجزأة وسيطرة صناعتها واحتكارها.. ويعلم القراء أن منظمة اليونسكو العالمية، تطير بجناحين، الخفيف منها يحمل رايات التعليم والتعلم والثقافة، والعلم، والعلوم الاجتماعية.. اما الثقيل من الجناحين فيحمل رسالة الاتصال وثقافة السلام ووجوب قيام نظام اعلامي جديد.. ولم يكن شمو بعيدا عن لجنة «ماكبرايد» وزير خارجية السويد.. التي اصدرت «عالماً واحداً» واصواتاً متعددة. والتي ساند فيها مدير اليونسكو الافريقي الاول احمد مختار امبو، ولكن كانت جهود شمو في استضافة بلاده للاتحاد العربي الأول، فلم تكن خافية في استضافة بلاده لمؤتمر وزراء الاعلام العرب الاول. لقد تنقل شمو، من عضوية المعهد الدولي للاتصال وتطورت رسالته الشاملة، وقد كان عضواً في مجلس الامناء، وهناك كانت مدرسة في الاتصال وتدفق المعلومات التي سايرها باسم السودان طول حياته حتى قيام مؤتمري جنيف وتونس في الاعوام القليلة السابقة. «علي شمو» الذي تتحدثون عنه وستتحدث عنه الاجيال القادمة، الذي كان له السبق، مع بعض الرواد في ان يصل عالم الخليج، بعالمنا العربي التقليدي، بل بالعالم جميعه.. نكرس هذه الكلمات بسفارته العالمية الأخرى، التي وبلاده لم تعرف البث المباشر الا في اوائل الستينات، اصبح هو من اعلام هذا البث وقد تشرفت بحضور عرض كتابه عن عالم الاتصال في اكبر منبر للكتاب العربي في القاهرة، حيث تناوب الادباء والكبراء في تقديمه للجماهير وهو يجتمع هذه الايام.. عبر «شمو» عالمنا الذي لم يعرف الا اعلاما موجها الى عالم اصبح فيه «حق الاتصال» من حقوق الانسان وحتى اعلان «84» لم يشملها ولكنه اوجد البيئة الملائمة لعرضها. نظرة الى المستقبل ان تكريم «شمو» ، يكتسب معنى عميقا اذا ربطناه بالمستقبل، فأولاً، تتقدم جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، بعبقرية المكان اذ تسهم في ان الجامعات تعنى بتقدم مجتمعها، وهذه الجامعات هي جامعات مجتمعها، والمعني الثاني ان شمو استطاع بجهده وعصاميته وسلوكه الوطني والاجتماعي أن يجد له مكانا متقدما في نظام اعلامي وعالمي جديد.. وقد كرس منبر دافوس العالمي الذي اصدر بيانه الختامي الاسبوع الماضي، تقدما حيث اكد ان الحكومات وحدها لا تستطيع ان ترسي قواعد هذا النظام الجديد نظام الحق في التواصل والاعلام، بل لابد من مساهمة المجتمع المدني، وفيما يختص مثلا بعلاج موضوع كموضوع «تغيّر المناخ» يلعب الوعي الجماعي دورا مهماً فيه تبرعت اليابان ب «01» مليارات من الدولارات لصندوق يسهم في هذا المجال.. ونحن لا نريد أن نكون بعيدين عن هذه التطورات، ولذا اعتقد أن تكريم شمو يصل إلى غايته ومعناه السامي اذا قررنا ان نفرغه ونكلفه بأداء دور السودان في هذا المجال ونحن نثق في كفاءته ومقدرته لاداء هذا الدور.. ان قرارا من رئيس البلاد بتفرغ «شمو» لاداء هذه المهمة يتوج هذا التكريم المجتمعي الذي تضافرنا جميعا في ادائه، ولعل هذا ايضا هو المعنى السامي لتكريم الرجال أثناء حياتهم .. «شمو» المواطن الاعلامي الأول..