الهيئة العامة للإذاعة القومية وسبعون عاماً تزيد ولا تنقص من الجهد والبذل والكفاح المضاعف، والعمل المكثف، والعطاء الثر، والإبداع الدائب المتصل الحلقات الذي يحمل في طياته بصمات العمالقة، أجيال التأسيس الذين وضعوا قوائم ولبنات هذا الصرح الخالد الذي نقول في إيجاز غير مجزٍ إنه شكل وجدان الشعب السوداني وذاكرة الأمة، وأرسى دعائم الوحدة الوطنية مروراً بكل الأجيال منذ ميلاد هذا الصرح العتيد في أربعينيات القرن الماضي إلى اليوم والغد بإذن الله. ü نعم اختلفت وسائل الإعلام وأسلوب ووسائط التوصيل عبر العقود، وكذلك الرسالة الإذاعية أو ما يسمى ب«soft ware, hard ware» التي شهدها عالم الإعلام المقروء والمسموع والمرئي وفقاً لعوامل التطور والطفرة العلمية والحضارية والتقنية التي نعايشها اليوم. ü إنها مسيرة وتنافس تتبارى فيه عقول العباقرة والمهندسين والمخترعين والمبتكرين وعلماء وخبراء التقنية في كل أرجاء وأنحاء المعمورة حتى أصبح بحق وحقيقة «عالمنا قرية تقنية» ضيقة المساحة عكس ما كانت عليه في الماضي السحيق، وإن هذا العالم كل يوم في شأن.. ونرجو أن يكون نحو الأحسن وأنه في كل ساعة على موعد مع ميلاد ابتكار حديث أو اختراع جديد أواكتشاف تقني مبتدع مذهل. ü هكذا كانت طبيعة وظروف ومراحل الإذاعة القومية «الأم»، منذ عقود أجيال العمالقة، أجيال التأسيس الأساتذة: حلمي إبراهيم، خاطر أبو بكر، أبو عاقلة يوسف، متولي عيد، محمد خوجلي صالحين، محمود أبوالعزائم، خانجي، وأستاذ الكل العلامة بروف علي محمد شمو متعه الله بالصحة والعافية، دكتور حديد السراج، دكتور صلاح الدين الفاضل، صالح محمد صالح، الخاتم عبد الله، عوض جادين، معتصم فضل الخ.. ü كانت وما تزال الرسالة جد عظيمة تُساهم في تشكيل وجدان الأمة وإرساء قواعد الوحدة الوطنية والقومية، والإذاعة صاحبة القدح المعلى في ذلك وتبز كل وسائل الإعلام الأخرى، لأنها تحظى بالانتشار العفوي الأكبر والسهل، فهي قبل الصحيفة والتلفزيون، لأن بثها وإرسالها كالماء والهواء متاح أينما وحيثما كان الإنسان، والمذياع أوالراديو في متناول يد الجميع في الحل والترحال و«النور والظلام»، يتلقى خدماته الرعاة في غاباتهم وأحراشهم، والمزارعون في غيطانهم وفلواتهم وحقولهم، والعمال في مصانعهم، والجنود في خنادقهم وأدغالهم وثكناتهم، وكذلك سكان المدن والريف والحضر. ü الأمر الذي شكل ويشكل مهمة وتحدياً خطيراً لصناع الرسالة والمشرفين على أدائها والقائمين على أمر انتقائها واختيارها وبثها، هذا هو المحك والاختبار الصعب والامتحان الذي رسب فيه الكثير من إدارات هذه الخدمة في عالمنا العربي والأفريقي، مما دفع بالملايين من شعوب هذه البلدان ليديروا ظهورهم لهذه الخدمات ويديروا مؤشرات إذاعاتهم إلى البث والإرسال القادم من الخارج، إلي بث وإذاعات بعيدة عنهم جغرافياً.. وبحكم المكان وليس الزمان والتواصل «communications»، فهي قريبة منهم تقنياً.. وبحكم الإرسال القوي والرسالة الدسمة التي تلبي متطلباتهم وتطلعاتهم واحتياجاتهم وتحترم عقولهم وتشبع رغباتهم في بث جريء أمين صادق في نقله وأخباره ومعلوماته وأنبائه الجديدة السباقة، بث وإرسال مليء بالجد يتدفق بالحقائق ليس بالأكاذيب والتطبيل والتضليل، إنهم تيقنوا منها خدمة موضوعية تقف وراءها قدرات وكفاءات مهنية عالية، وأدوات ووسائل متقدمة، عكس هذه الجيوش الجرارة من العاملين والعاملات والمكاتب المكدسة والمحتشدة بهذا الكم الهائل والأعداد التي رمت بها الأقدار في هذه الأجهزة، فالبون شاسع بينهم وحساسية هذا الصرح وخطورته وعظمة رسالته، وبجانب ذلك تجد أن المهمة «الجانبية» أو الآلية التي يمكن أن يؤديها شخص واحد أو اثنان رصد لها ضعف هذا العدد منهم أو منهن من «المتعاونين والمتعاونات» الذين جاءوا بالوساطة والقربى والمعارف والترضيات وإشباع غريزة إظهار السلطة وحب النفوذ. ü لم يأتوا عن طريق الخبرة والكفاءة أو الموهبة والقريحة المتوقدة والتميز أو السجل الحافل بالتزكيات والإشادة والمليء بأشكال وألوان وتعدد القدرات والعطاء والمبادرات والمبادءات، إنها معايير خاطئة عاطفية بحتة بعيدة عن الموضوعية قاعدتها المجاملة والمحسوبية والاستلطاف، جمعت فأوعت لكل ألوان الغث والفطير وحاربت الثمين والعائد «oBig Zer»، ولكم أن تتخيلوا ما تتكبده خزينة الدولة المكلومة من نفقات لهذه الجيوش مقابل الترحيل وماء ونور وكهرباء وهدر للأدوات المكتبية ومال مقابل اللا شيء. ü تناول هذه الظاهرة وهذه القضية الشائكة الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية عند مخاطبته الملتقى الثاني للأمناء العامين بحكومات الولايات مطلع هذا الشهر بالخرطوم، حيث أشار إلى أن هذه المسألة تمثل واحدة من تحديات الدولة التي تعمل على إدارتها بأقل ثمن وعدد من العاملين، وأشار أيضاً إلى أن الخدمة في دواوين الحكومة افتقدت عنصر التحفيز.. وضعف إلى حد كبير عنصر التقويم الموضوعي والمحاسبي وأصابها التردي حتى في عهد الإنقاذ، لكنه برغم ذلك أشار إلى ضرورة البحث عن الكفاءات والخبرات والقدرات والمقتدرين من ذوي الموهبة والقدرة على العطاء المتميز، ولمّح إلى ضرورة محاسبة المهملين وكذلك المقصرين وذوي الأداء المتدني. ü (وجاء في عمود «قبل هذا وذاك» الذي يكتبه الدكتور هاشم الجاز بصحيفة «آخر لحظة» العدد 1543 بتاريخ 26/11/2010م أنه خلال العقدين الماضيين كان الإعلان الرسمي دائماً في الموازنة الحكومية كل عام خلواً من الوظائف لاستيعاب الخريجين، إلا أن الدواوين الحكومية كانت تعج باستيعاب «المتعاونين» و«المتعاونات»، وهم من يأتي بهن وبهم بعض المسؤولين والمعارف وبعض الشخصيات الاجتماعية لتوظيفهم بلا سجل وظيفي، ولأن وظيفة المتعاون لا تتم بناء على قواعد ثابتة تنافسية أو حتى غير تفوق علمي، كانت مدخلاً «للفساد» في أن يقتصر هذا التعاون على المحاسيب والمعارف وذوي القربى الخ.. ü ويسعى هؤلاء المسؤولون من بعد ذلك إلى إيجاد وظائف متعاونين لاستيعابهم فيها باعتبارهم اكتسبوا الخبرة ومعرفة طبيعة الوظيفة والعمل، وفي الإمكان تطويع اللوائح وإكمال الإجراءات حتى يبدو أن الاختيار قد تم وفقاً للقواعد الصحيحة للتنافس. ü لا أعرف ولا أفهم التعاون في وظائف مداخل الخدمة ولا لخريج لم يمضِ على تخرجه إلا عام واحد؟ ü ولكن يمكن أن تستفيد دواوين الخدمة والدولة ومكاتبها ومؤسساتها في التعاون مع أصحاب الإمكانات النادرة والخبرات المتميزة والقدرات العالية، وهذه تكفلها لوائح الخدمة العامة.. (انتهى ما جاء في العمود المذكور).. ü وبناءً على حديث السيد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه الذي ورد في سياق هذا المقال، وعلى ما جاء في عمود «قبل هذا وذاك» الذي سبقت الإشارة إليه، نجد أن الذي يحدث في هذه الهيئة (الإذاعة القومية).. يختلف عن هذا الطرح، ويغلب عليه نهج الخيار والفقوس وأن معاييرها تقوم على الاستلطاف أو عدم الاستلطاف، إنهم يفضلون الغث عن الثمين.. والزبد الذي يذهب جُفاء.. ويحاربون الذي يمكث وينفع الناس وذوي المواهب والقدرات على العطاء وذوي الخبرة والتجربة وخاصة في مجال المتعاونين، فهناك حشد من الغث والفطير والمتخثر القول والفكر والتعاطي والعطاء إن وجد. ü وهناك جانب آخر وهو تنفيذ قرار السيد رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير فيما يختص بموضوع إعادة «المفصولين» وما حوى من مؤشرات وموجهات، فهناك أيضاً خيار وفقوس في إعادة هؤلاء المفصولين، إننا ننتهز هذه السانحة وقد طرق وتطرق السيد نائب رئيس الجمهورية إلى المتناقضات التي تكتنف دواوين الخدمة لكي نرفع لسيادته هذه المظالم والمفارقات وهو قاضٍ وقانوني في المقام الأول لا يُشق له غبار، ونأمل أن يبت أو يفصل في هذه المظلمة وليس بالضرورة أن يبقى المتظلم في المركز، فهناك عشرات الفروع الإعلامية والإذاعية في العاصمة والأقاليم، كما نرجو أن تجد رعاية وعناية وعدالة السيد وزير الإعلام الذي نعلم أنه شجاع في كلمة الحق.. وعادل ومنصف لكل المظلومين.. خاصة وأن العدل من أسماء الله عز وعلا ونلتقي.