إذا لم تكن جاداً وتريد الترويح عن نفسك ببعض الكوميديا السياسية، فلا تدع فرصة تأمل تحالفات الحزب الإتحادي الديمقراطي - الأصل تفوتك! لا شيء ينضح بالهزل والفكاهة مثلها، والعرض مستمر على مسارح كل الصحف. لن تحتاج الى مواصلات بعد العرض، فيكفي أن تقرأ الصحيفة التي في متناول يدك دون أن تتكبد مشاق البحث! إذا قرأت صحيفة (الرائد) الناطقة بلسان حزب المؤتمر الوطني سترى أن الإتحادي هو حليفه في الإنتخابات المقبلة بعد حوالي ثلاثة أسابيع لا محالة، وآية ذلك إنسحاب المرشح علي ساوي من المنافسة على دائرة الحصاحيصاالشرقية القومية لصالح مرشح الحزب الحاكم معتصم جعفر سرالختم. ------------------------------------------------------------------- والخبر موثق بالصور (23/3/2010)، وإذا ملت يساراً في نفس الصفحة لرأيت تصريح السيد حسن أبوسبيب البرلماني المقرب من قيادة الحزب وهو يعلن ألا تحالف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان موضحاً أن»الاتحادي يمتلك من القواعد ما يجعله غير محتاج لأي تحالفات مع الحركة الشعبية أو ما سواها»، وبغض النظر عن المواقف الكبيرة المضمنة في هذا التصريح فمن الواضح أن البرلماني المخضرم لا يدرك تماماً معنى (التحالفات السياسية) وأنه بعد ستين عاماً من تأسيس الحزب الكبير فإن الله لم ينعم عليه بقياديين يدركون معنى التحالفات السياسية على أساس علمي، ويعلمون أن الحاجة إليها غير مرتبطة ب (امتلاك) القواعد! لا ترهق نفسك كثيرا بالترويح والفكاهة. إذهب الى صحيفة (أجراس الحرية) الناطقة غير الرسمية باسم الحركة الشعبية لتقرأ تصريحات الأمين العام للحزب ، سيد أحمد الحسين، الذي لا يرى أن الإنتخابات المقبلة سوف تقام وأنه لا توجد تهيئة واستعدادات حقيقية لها. ليس في الأمر عجب فالقيادي البارز لم يجد الوقت بعد عودته من القاهرة لتبديل (الأشرطة القديمة) التي ما انفك يعارض بها، لذا فإنه لا يزال يردد نفس تصريحات عام 1990 .. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد نسى الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه مرة ووصف دولة إسرائيل ب (الكيان الصهيوني) ولم تغضب منه تل أبيب لأنها تعلم أن الأمر لا يعدو عن كونه زلة لسان. المهم في الأمر ان الحسين قطع بعدم وجود تحالف مقبل مع الوطني واصفاً ذلك بالجريمة «أي تقارب مع المؤتمر الوطني يعتبر جريمة، وأن الحزب الاتحادي الديمقراطي كيان له تاريخ عريق في الديمقراطية وله مواقف تاريخية في الحفاظ على وحدة السودان» (أجراس الحرية 23/3/2010) ولم يسأله الصحفي - بالطبع- عن تلك المواقف التاريخية التي زعمها. لا يزال العرض مستمراً، إذ يمكنك النظر في صحيفة الأحداث لترى إعلانات فرع الحزب بولاية البحر الأحمر والتي تدعو جماهير الحزب بالولاية إلى التصويت لصالح مرشح حزب المؤتمر الشعبي (غير المعلن) لمنصب الوالي. الغريب أن الإعلانات المذكورة لا تدعو جماهير الحزب في الولاية للتصويت لمرشحي الحزب الإتحادي أنفسهم. في البحر الأحمر إختار الإتحاد الديمقراطي الأصل بنفسه أن يلعب دور حصان طروادة ولم يجبره أحد على ذلك أو يخدعه. لم ينته العرض إذ أن لصحيفتنا هذه منه نصيباً فقد نشرت يوم الاثنين الماضي (22/3/2010) أن الحزب الإتحادي الديمقراطي والحركة الشعبية وقعا مذكرة تفاهم ل (تجديد) العلاقة بين الحزبين أكدا فيها على تطوير برامج مشتركة لدعم الوحدة الطوعية، بجانب التنسيق في الدوائر الإنتخابية (!) هذه أول إتفاقية في التاريخ يتواثق فيها طرفان على ما يسمى بتجديد العلاقة. الحركة لا تهمها المسميات ولكن تهمها المضامين، والإتحادي يهمه البروتوكول وتشغل باله المراسم. الأمين العام للحركة الشعبية السيد باقان أموم بدا سعيداً بالإجتماع ووصفه «بالمهم والإستراتيجي» وقال إنه «أعاد العلاقة بين الطرفين إلى طبيعتها» ! هكذا ضربة لازب. السيد باقان يسخر بالطبع من حزب الحركة الوطنية الموضوع بأمان في جيب الحركة الخلفي، تخرجه وتشحنه بالتصريحات العنيفة إذا أرادت المعارضة، أوتضعه وتجلس عليه ليصمت إذا آبت لمقاعدها في دست الحكم. قبل أسبوعين أو يزيد غضب الحزب الإتحادي من حكومة المؤتمر الوطني بسبب ما اعتبره وضعاً للعراقيل أمام زيارة زعيم الحزب مولانا السيد الميرغني ووفده المرافق الى مدينة كسلا. اضطر الحزب الإتحادي الى استعارة طائرة النائب الأول سلفاكير ميارديت لإكمال الرحلة التي بدأت متأخرة عن موعدها بحوالي خمس ساعات. هنا بدأ أنصار الحركة في اللعب وصوروا أن حليفتهم الإستراتيجية أنقذت الحزب والزيارة وأن المؤتمر الوطني هو العدو. أنصار الحركة الشعبية (داخل الحزب الإتحادي) الذين ساهموا في إنقاذ الزيارة لا يصبرون لذا فإنهم يعملون على تلقي الثمن بأعجل ما يكون. بعد تلك الرحلة دعت الحركة قيادة الإتحادي لإجتماع في منزل زعيمها وحددت له نفس موعد إجتماع رئيس الحركة مع قادة تحالف جوبا. من الواضح أن الحركة كانت تريد ضبط الإتحادي متلبساً في إجتماع مع رموز الأحزاب المناوئة للمؤتمر الوطني، وربما أعدت المكان لالتقاط بعض الصور، لكن يبدو ان الأنشوطة لم تنجح. خرج الإتحادي غاضباً من هذا ومن سوء المعاملة والخطايا البروتوكولية الكبيرة التي تخللت استقبال وضيافة الوفد الإتحادي الرفيع. أين يذهب الإتحادي وقد صار بين طرفي رحى الشريكين القاسيين؟ لماذا لا يعتبر الحزب الإتحادي إذاً نفسه واحداً صحيحاً ويدبر أمره وشئونه؟ لا يستطيع.. لأن الكثير من عناصره - للأسف- تؤمن بأن الصلاة خلف علي أفضل، وطعام معاوية- سواء في جوبا أو في الخرطوم- أدسم. صار حزب (الحركة) الوطنية مثل ورقة اليانصيب (الكرتلة) عليها شعار (الإتحادي الأصل) لكنك إذا أعملت فيها خدشاً رفيقاً فقط لتكشفت لك صورة (المؤتمر الوطني) في الحصاحيصا و(المؤتمر الشعبي) في بورتسودان و(الحركة الشعبية) في دوائر أخرى! لم تنته بعد حالة الدوار السياسي التي يمر بها الحزب العريق فقد نقلت الأخبار أيضاً أن من تبقى من جماعة إعلان جوبا سيجتمعون بدار أبوجلابية ببحري بعد غدٍ السبت، ونقلت الأخبار أن الدعوة لم توجه لزعيم المؤتمر الشعبي (حليف الحزب في بورتسودان) الدكتور حسن الترابي. غني عن الذكر أن الدعوة لن توجه للسيد مبارك الفاضل المهدي لأسباب لا تخفى على فطنة المراقبين، وسيتبقى الإمام الصادق المهدي الذي لم تنقل الأنباء شيئاً عن دعوته من عدمها. هكذا يبدو الحزب الإتحادي الديمقراطي كمن وضع في أرجوحة دوارة لمدة طويلة ثم أنزل منها بغتة فاختلط عليه المسار ولم يعد ثمة من يدله على الطريق بين اليمين وبين اليسار. لم يطرح طرفا إتفاق إعادة تجديد العلاقات المشار إليه للعلن ولم يقدما محتوياته لوسائل الإعلام، لكن تصريحات الأمين العام للحركة التي قال فيها إن الطرفين اتفقا على تطوير برامج مشتركة لدعم الوحدة إضافة الى التنسيق في الدوائر الجغرافية تكفي لوحدها لطرح ألف سؤال وسؤال ولعل أول هذه الأسئلة هو: أين تقف الحركة الشعبية نفسها من موضوع الوحدة؟ وهل هي مع الوحدة أم مع الإنفصال؟ وإذا كانت مع الوحدة فلماذا لم تحث عضويتها على التصويت من أجلها خصوصاً وإن الإستفتاء قاب قوسين أو أدنى؟ ولماذا لم تقدم الحركة وهي اللاعب الأساسي في قضية الوحدة مشروعها أو تصورها لمستقبل هذا البلد موحداً أو منقسماً أو-والعياذ بالله- متشظياً؟ قبل سنوات اتفقت فصائل التجمع الوطني الديمقراطي المعارض على التواثق على تصور موحد ورؤية لترتيبات الفترة الإنتقالية التي تعقب وقف الحرب وبداية عهد السلام. كانت اللجنة برئاسة الأمين العام للتجمع حينها السيد/ مبارك الفاضل وقد عملت القوى السياسية من خلال إجتماعات اللجنة المتصلة ما بين القاهرة وأسمرا على تقديم رؤاها بغية مناقشتها والوصول الى إتفاق يمثل جماع الرأي. قدمت كل القوى تصوراتها المكتوبة ما عدا الحركة الشعبية التي أصدرت ورقة في العاصمة اليوغندية كمبالا أثناء مؤتمر حول حقوق الإنسان في السودان لكن سرعان ما قامت بسحبها. قيل إن الحركة الشعبية بذلت جهداً كبيراً في استعادة تلك الورقة ممن وزعت عليهم وكانت تلك آخر وثيقة تصدر فيها الحركة تصوراً لمستقبل موحد للسودان. حتى الآن لم تعلن الحركة موقفها من قضية الوحدة لكنها مع ذلك قادرة على إقناع الحزب الإتحادي الأصل بالعمل معها في برامج مشتركة، والإتحادي على فقر منتوجه الفكري، والتباس رؤاه ،وعجز تصوراته ظل يعلن على الدوام أن أمر وحدة السودان هو خياره الأوحد أو الأفضل. إذن فإن الحزب الإتحادي الديمقراطي- الأصل هو الحزب الوحيد في السودان الذي يعلم بحقيقة موقف الحركة من هذه القضية المهمة وتحتم عليه المسئولية الوطنية أن يعلن للشعب السوداني في الشمال والجنوب ذلك الموقف وإلاَّ فإن بعض العناصر قد تتهمه - محقة- بأنه غيّر موقفه وأنه بات يؤيد الإنفصال. على كلٍ فإن لجنة الحركة الشعبية التي تحاورت مع الحزب الإتحادي تكونت من باقان أموم وياسر عرمان ودينق ألور وسنصيخ السمع لنتعرّف في القريب العاجل على رأي الفريق سلفاكير ورياك مشار وجيمس واني وتابان دينق ولام أكول ومن قبل هؤلاء جميعاً يوري موسيفيني وسوزان رايس وباراك أوباما. *** القضية الأخرى التي أعلن الحزبان التنسيق بشأنها - ضمن مستحقات علاقاتهما المجددة- هي قضية الإنتخابات، وأمر مثل هذا طبيعي ومعتاد عليه في العالم كله لكنه يقوم دائماً على تبادل المنفعة وليس على خدمة طرف لآخر مجاناً. إذا أرادت الحركة الشعبية الفوز في دائرة بربر مثلاً فستحتاج إلى أصوات أنصار حليفها الإتحادي مقابل أن تستنفر أنصارها في كبويتا للتصويت لصالح مرشح الحزب الإتحادي الديمقراطي هناك. وإذا أرادت الحركة الفوز بمنصب والي ولاية نهر النيل أو كسلا فعليها أن تقدم للإتحادي العون للفوز بمنصب الوالي في واراب أو في البحيرات! بالطبع هذا تصور بعيد المنال، فالحركة تتعامل مع الحزب الإتحادي بمنطق الحكمة « ما بحوزتي هو لي، أما ما بحوزتك فيمكننا التفاوض عليه» هكذا تريد الحركة التنسيق مع الحزب الإتحادي في الشمال فقط الذي يزعم أنه يملك فيه القواعد وأنه لا يحتاج فيه لتحالف الحركة أو غيرها، في الوقت الذي تستأثر فيه بحكم الجنوب كله أما بطريقة دستورية شرعية عبر الإنتخاب أو عن طريق حكم عسكري لا مناص منه يكون للجيش الشعبي فيه السلطة العليا. يتكسب الحزب الإتحادي الديمقراطي في الساحة السياسية على طريقة رزق اليوم باليوم بينما تعمل الحركة الشعبية على احتكار السوق، وفي كل يوم تؤمّن فيه بنجاح احتكار سلعة تبدأ في المساومة على السلعة المقبلة، أدواتها في ذلك فريق حاذق ومنافسة يرثى لها من الضعف.