بإعلانه إجلاء المتمردين عن إنجمينا ودحره لخصومه في الجبهة الوطنية للتنمية والديمقراطية، نقل إدريس ديبي حالة العداء بينه والخرطوم الى فصل جديد بعد تهديده بغزو السودان، وهي تصريحات كررتها تشاد أكثر من مرة خلال العامين الماضيين. ومع إستعادة دبي لعرشة بمباركة إقليمية ودولية، يعود للخرطوم أرقها وهي تكابد المستحيلات لتثبت براءتها من معارضة ديبي وما لحق بعاصمته مطلع الإسبوع لتتفادي ما يخطط له ديبي على حدودها الغربية، بعد أن ألمح أكثر من طرف بالإضافة الى تشاد الى تورط الخرطوم في دعم معارضي ديبي، حيث إتهمت واشنطون الخرطوم مواربة بدعم متمردي تشاد، فضلاً عن تلميحات فرنسية تشير لذات المعنى. وتشي إشارات إستعادة ديبي سيطرته على تشاد، بأنها ستجعل شتاء الخرطوم حاراً، فعودة ديبي مزهواً بدعم إقليمي ودولي، ربما يمارس من خلاله إعتداء أكبر على الخرطوم التي تمر علاقاتها مع هذه الأطراف بحالة فتور بسبب التداعيات الدولية من قضية دار فور. لذا، وبعيد ان إطمأن ديبي على عرشه الذي إهتز منذ الجمعة الماضية، هدد بغزو الخرطوم على لسان وزير خارجيته أحمد علامي بقوله " إن القوات التشادية جاهزة لعبور الحدود الى السودان إذا دعت الضرورة لذلك". وهي ضرورة أشارت إليها تشاد عدة مرات بملاحقة المتمردين الذين تأويهم الخرطوم بحسب زعمها، وهو ما دفعها للقيام لأكثر من مرتين بتنفيذ هجمات جوية داخل الأراضي السودانية، ويقلل محللون من التهديد التشادي بغزو السودان، بأنها تفتقر الى الإمكانات من حيث العدة والعتاد التي تؤهلها لغزو السودان، ولكنهم يرجحون ان تجنح الى دعم حركة العدل والمساواة برئاسة خليل إبراهيم، التي دعمت ديبي في معاركه ضد المتمردين وقتل قائدها محمد عبد الله في معارك أنجمينا أول أمس. ويتهكم مراقبون من التهديدات التشادية بغزو السودان ويصفونها بأنها " هذيان" شخص يواجه موقف ضعف داخل عاصمته، وقال الفريق ابراهيم الرشيد، ل «الرأى العام» كون تشاد تلاحق المتمردين هذه مفهومة، ولكن غزو السودان هذه غير واردة، ولا أعتقد أن تعبيرهم دقيق، لأن هذا لا يستطيع حتى الأمريكان فعله ناهيك عن تشاد، وأضاف ان إختراق تشاد للحدود ومطاردة المتمردين مسألة لم تقف أصلاً. فيما يشكل الدعم الفرنسي لديبي المتمثل في تأمين سلطته من الداخل بحسب مراقبين حافزاً ليتفرغ لدعم عمليات داخل الأراضي السودانية، بعد ان أشارت إنجمينا الى ان المعدات التي هاجمت بها المعارضة أنجمينا "300" لاندكروزر وأسلحتها تم تمويلها وإنطلقت من السودان، وإحتمال مشاركة فرنسا نفسها في هذا الهجوم بحجة القضاء علي المعارضة أو دعمه، وهو ما استبعده العميد محمد الأمين خليفة بقوله "ضرب السودان من قبل فرنسا غير وارد ومستبعد لأنه يؤلب عليها كل السودانيين". ويرى مراقبون أن قرار مجلس الأمن "غير ملزم" الذي صدر أمس الأول ويخول للدول التدخل لوقف إسقاط شرعية أىة دولة، بأن توقيته فيه إشارة لحالة السودان وتشاد، وهي معادلة سيكون أكثر المتضررين منها المعارضة التشادية، بعد أن أرسلت فرنسا إشاراتها بأنها قد لاتلتزم الحياد فيما يجري بتشاد، على لسان وزير خارجيتها كوشنير بقوله " إن الإدانات الدولية قد تؤدي الى أشكال أخرى من التدخل، وقال نحن غير مشاركين في هذه الحرب في الوقت الراهن، لكن إذا صدر قرار من مجلس الأمن، وإذا صدر إقتراح آخر من الإتحاد الأفريقي سنرى ما يمكن عمله" وقد نجحت فرنسا بحسب مراقبين في تمرير ورقتها الأولى بمجلس الأمن الذي دعا الى حماية حكومة أدريس ديبي، وتأمين الإتحاد الأفريقي على حكومته ورفضه لأى تغيير يتم بالقوة في تشاد. فيما يرى مراقبون إستحالة إقدام تشاد على تنفيذ تهديدها بغزو السودان لعدم التكافؤ في ميزان القوة بين البلدين، حيث تتضاءل قوة تشاد كثيراً أمام السودان برغم ما قد تجده من دعم من بعض الأطراف الدولية، مرجحين ان تتضاءل تلك التهديدات وتتحول سيناريوهاتها الى حرب بين المعارضة السودانية "العدل والمساواة" والتشادية من خلال سعي كل طرف لإضعاف الآخر بدعم معارضيه، ويرى خليفة وهو يتحدث ل «الرأى العام» إن الحكومة التشادية ربما وجدت دليلاً مادياً لمؤازرة متمرديها، ولكن البديهي أن الحكومة التشادية تدعم الحركات المتمردة السودانية "خليل وعبد الواحد"، مشيراً الى ان القدرات العسكرية التشادية لن تستطيع ضرب السودان وإن كانت تستطيع لفعلت خاصة ان النية لديها فى ذلك قديمة. فيما يشير آخرون الى أن هناك أكثر من طرف سيكون مستفيداً من إستغلال الأزمة التشادية الراهنة ضد الخرطوم، فالإتحاد الأوربي الذي تستعد قواته "يوفور" للإنتشار على الحدود السودانية التشادية لن يكون موقفه نقيضاً للموقف الفرنسي الداعم للرئيس ديبي، وهي وضعية ربما تعزز من موقف ديبي في محاولاته القضاء على معارضته وملاحقتها داخل الأراضي السودانية، لتبدو مهمته أمراً مباركاً من حلفائه إن لم يكن مدعومة منهم. وإن بدت فرنسا الفاعل الأكثر تأثيراً في الفضاء التشادي، فإن الأحداث الأخيرة ربما فتحت شهية الولاياتالمتحدة الأمركية في الإسراع بإيجاد موطىء قدم لها في تشاد من خلال محاولاتها المتكررة لتطويق الأزمة الدارفورية عبر دول الجوار، ما يجعلها تستغل هذه التطورات للظفر بتعزيزات عسكرية لصالح القوات الدولية "الهجين" خاصة في مجال الطيران لوقف أنشطة الحكومة السودانية "الجوية". وطالبت مجلس الأمن أكثر من مرة بحظر الطيران في دارفور، كما طلبت موافقة الأممالمتحدة لفرض حظر تسلح دولي ضد السودان وفرض منطقة حظر جوي عسكرية في دارفور، بمساعدة الناتو. حالة من عدم الإستقرار ظلت تكسو العلاقة بين الخرطوم وإنجمينا "هدوء وتوتر" لعبت الحركات المسلحة فيه هنا وهناك دور السحر والساحر الذي كاد يقضي على ديبي قبل أن ينقلب عليه.