تماماً وكما هو مُتوقع، حَصَدَ عمر البشير مرشح المؤتمر الوطني مُعظم أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي خَول له الجلوس على دَست الحكم لخمس سنوات جديدة تحت مظلة الشرعية، سنوات تُضاف الى فترة رئاسته التي امتدت طوال عقدين من الزمان، وتوجته كأكثر الرؤساء جلوساً على الكرسي في تاريخ البلاد الحديث. وبحسب إعلان المفوضية القومية للانتخابات - الذي تأخر لعدة أيام - فإنّ البشير حاز على نسبة (68%) من أصوات الناخبين، فيما كان أقرب منافسيه مرشح الحركة الشعبية المنسحب ياسر سعيد عرمان يبعد عنه شَأواً بعيداً وبنسبة بلغت فقط (21%). بينما اكتسح سلفاكير ميارديت رئيس الحركة في نتيجة هي الأخرى متوقعة انتخابات حكومة الجنوب وبنسبة بلغت ال (92%)، فيما حل منافسه د. لام أكول رئيس الحركة الشعبية «للتغيير الديمقراطي» ثانياً بنسبة (7.1%). وفي مُحاولةٍ لإخضاع النتائج للفحص والتمحيص اتصلت «الرأي العام» بعدد من الأكاديميين لمعرفة رؤيتهم لما تمخضت عنه النتيجة من منظور علمي أكاديمي وخرجت بالحصيلة التالية:- أقل من المتوقعة ووصف د. عبده مختار موسى أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، النتيجة التي تحصل عليها البشير بالأقل من المتوقعة، خاصةً وان عدداً من أبرز منافسيه اختاروا الانسحاب من سباق الرئاسة، إضافةً الى عدد من المؤشرات التي لا يمكن إغفالها كالدفعة الشعبية القوية التي تلقاها عقب قرارات الجنائية الدولية وظهرت بصورة جلية في الحشود التي كانت تستقبله في حَلِّه وترحاله إبان حملته الانتخابية والإنجازات العديدة التي حققتها حكومته إبان فترة حكمه. وفي ذات سياق النسبة التي أحرزها البشير، أوضح موسى أن نسبة ال (68%) من شأنها أن تنفي وبصورة قاطعة وجود عمليات تزوير إبان مرحلتي الفرز والاقتراع، وقال: كمراقب مطمئن لنتيجة الانتخابات، وإن حدث تزوير فهو محدود وغير مؤثر على النتائج. تفوق دينق على السر ومع توقعات الجميع بفوز البشير، كانت النتيجة مثار الدهشة، تفوق عبد الله دينق نيال مرشح المؤتمر الشعبي لإنتخابات الرئاسة على حاتم السر مرشح الاتحادي الديمقراطي «الأصل» في ذات المضمار. ولعل منبع الدهشة هنا، أن الاتحادي حزب ضارب في القدم في الساحة السياسية، بينما الشعبي حزب نشأ عقب مفاصلة الإسلاميين الشهيرة نهاية الألفية الماضية. بيد أن للدكتور أسامة زين العابدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين رأياً مُغايراً، أسامة عزا تفوق نيال لنيله ثقة الناخبين الجنوبيين المنحازين لمرشح الحركة المنسحب ياسر عرمان. قلب الطاولة! الأمر الآخر اللافت للنظر في النتيجة هو حصول مرشحين أعْلنوا انسحابهم كعرمان والإمام الصادق المهدي على نسبة أصوات فاقت كثيراً من المرشحين الذين خاضوا غمار الحملة الانتخابية. كما نال د. كامل إدريس ومحمود جحا «المستقليْن» نسبة أصوات فاقت مرشحين حزبيين كالعميد عبد العزيز خالد مرشح التحالف الوطني السوداني والدكتورة فاطمة عبد المحمود عن حزب الاتحاد الاشتراكي. ونعت د. أسامة النسبة التي حصل عليها د. كامل أدريس وجحا بالمفاجأة، كونها تعكس ميول عدد مقدر من الناخبين للتوجهات الاستقلالية، فإدريس يعتبره الكثيرون ب (برادعي السودان) لما يملكه من علاقات مُمَيّزَة بالمجتمع الدولي، بينما مثلت نتيجة جحا مؤشراً لجنوح الناخب نحو تجريب شخصيات جديدة ومستقلة، لأجل الانفلات من مدارات الأحزاب التي ظلت حاكمة مع المؤسسة العسكرية طوال العقود التي تلت الاستقلال. نتائج الجنوب وفي نتيجة لم ترفع أي حاجب دهشة، اكتسح سلفاكير انتخابات حكومة الجنوب وبفارق ضخم عن أقرب منافسيه د. لام أكول الأمر، الذي جعل من تصريحات الأخير عن قدرته على مكاتفة الحركة مقرها وموطنها تذهب أدراج الرياح، واعتبر د. أسامة نتيجة حكومة الجنوب بالمنطقية وعزا النسبة الضعيفة التي حَصَل عليها أكول الى أنّ الكثيرين ينظرون إليه كصنيعة للحكومات المركزية التي ظلت العدو اللدود للحركة وبرنامجها السودان الجديد. روشتة للبشير ومنذ الثالثة من ظهيرة يوم أمس، بات فوز البشير بانتخابات الرئاسة أمراً واقعاً، غير أن الرئيس تنتظره مسؤوليات جِسَام مُتمثلةً في تدارك أمر المعارضة التي خرجت صفر اليدين من (مولد) الانتخابات، إما بالانسحاب أو التشكيك في عملية الانتخابات، الاستعداد لاستفتاء الجنوب المزمع أجراؤه مطلع العام المقبل وإزالة العقبات التي تهدد مساره، فَضْلاً عن حل أزمة دارفور التي تطاول عليها الأجل. وأكد د. صلاح الدومة أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، أهمية استمرار البشير في دعوته الرامية لتكوين حكومة قومية حقيقية تَضم كل الطيف السياسي بما في ذلك المقاطعين، الى جانب عمله على بسط الحريات وحل أزمة دارفور بصورة جذرية، وصولاً للاستفتاء حول تقرير مصير الجنوب الذي يتخوّف الجميع بحسب الدومة أن يكون ملفه حُسم بين الشريكين في صفقة مشتركة تقضي بانسحاب عرمان في مقابل تسهيل الانفصال. شهد ودموع! النتيجة التي أعْلنتها المفوضية ونزلت برداً وسلاماً على المؤتمر الوطني، كانت في المقابل بمثابة (البكاء على اللبن المسكوب) أو البكاء على نظرية الترابي في تشتيت الأصوات.