الخطوة الفنية الجريئة التي قام بها الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي في اخراج البوم (حسن عطية) تعد مرثية جميلة تضاف إلى مقامات التأبين الفني، فلو أن الكابلي خطا الخطوة في مراميها الابداعية والانسانية لماتت هذه الأغنيات في مهد الارشيف، ولحُرم منها الجيل الحالي، وكذا الجيل المخضرم، فقد قال الكابلي في مفتتح الألبوم (انه من دواعي سروري أن أطلع الجيل الحالي على ابداع سامق ما كان يؤتي أكله لو لم يتم إظهاره وتقديمه للساحة الابداعية) وتعد هذه التقدمة واحدة من أرقى صور الإلفة الابداعية بين المطربين السودانيين، التي انعدمت اليوم للأسف بين الفنانين..!!غنائي للراحل ( حسن عطية ) رحلت عن ساحتنا الابداعية أعداد كثر من المبدعين ماتت بموجبها نصوصهم الغنائية دون أن يتم ترديدها عبر الميديا الممثلة في الاذاعات والمحطات التلفزيونية، وكذا ألبومات الكاسيت، فقد رحل مؤخراً العندليب الأسمر زيدان إبراهيم وما تم حيال تأبينه هي كلمات باردة قيلت في حقه من أصدقائه، وبعدها انفض السامر، ورحل عنا هاشم ميرغني وأبو داؤود ومصطفى سيد احمد، والأخير ماتت رابطة المعجبين به في توثيق ابداعه المترامي في الألبومات غير المسجلة في (أرفف) الاذاعة والتلفاز، بل موزعة على الجلسات الفنية التي كان يقيمها الراحل، وقامت رابطة المعجبين بتوثيق إبداع مصطفى عبر سلسلة (خطوة) في عدد من الألبومات، ولكن كحالنا نحن السودانيين في عدم الإلمام بثقافة الصبر، فقد توقفت (الخطوة) ولم تمض قُدماً إلى الأمام.. نسأل أنفسنا، لماذا توقفت توثيقات الاذاعة في نشر ألبومات الراحلين عبر الخطوات التي قامت بها سابقاً ولا يعرف أحد مكنونات الايقاف وتشطيب منافذ التجربة..؟ أين منتوج الراحلين من عبد الدافع عثمان ومحمد حسنين وعبد العظيم حركة ورمضان زايد ووليام اندريه وعثمان حسين.. و… القائمة الطويلة تلك من المبدعين..؟ أين منتوجهم الفني اليوم..؟ لماذا لا تنبري جهة توثيقية لأرشفة هذه الأغنيات وإعادة انتاجها الأصلي أو نسخه بأصوات مطربين آخرين مع مراعاة الجودة الفنية، كما فعل الكابلي في تجربة ناجحة نالت اعجاب الجميع..؟ لماذا ظلت الاذاعات القومية والخاصة والفضائيات القومية والخاصة في عدم ترديد بث هاتيك الأغنيات لهذا الجيل حتى يعرف ماهية الابداع المخضرم الذي شنف آذان الجيل الذي سبقهم..؟ لماذا لا تنبري وزارات الثقافة الاتحادية والولائية في اتخاذ خطوة توثيقية لهؤلاء العمالقة وجعل مردودها المالي والأدبي لذوي الراحلين..؟ لماذا تسير ذات مواكب التأبين لدينا على صالونات المشافهة في حق الراحلين دون أن تتحرك الخطوة ايجابياً في توثيق حقوقهم الغنائية..؟ (صالونات ونسة فقط).. إنه العقوق الفني الذي يدخل فيه الجميع بدءاً من المعجبين وروابط الأصدقاء ووزارة الثقافة وزملاء الراحلين.. إلخ.. وبأي حق تتجاهل الجهات المعنية هذا المطلب وهم على شاكلة الراحلين سيرحلون يوماً ويصادفون ذات العقوق.. فبرؤية نصف واعية للدول حولنا نرى الالتفاف النوعي على أرشفة الراحلين، فما فعلته مصر في حق عبد الحليم حافظ وأم كلثوم في توثيق منتوجيهما، يخلق أمامنا هالة من التساؤلات المفضية إلى عض بنان الندم في السودان تجاه الراحلين من المبدعين لدينا.. المطلب اليوم ينساق على كافة الأصعدة بدءاً من الملاحق الفنية والروابط في مناشدة الجهات ذات الصلة بمنتوج الراحلين في إعادة انتاج الابداعات (المدسوسة) في أرفف الارشيف، وذلك بنفض الغبار عنها وإعادة بثها اليوم قبل الغد، حتى يتعرف الجيل الحالي على مستوى ابداعي متفوق ويسكت هذه الموجة من الاسفاف والهبوط الغنائي.. وكذا يعمل على تنظيف الأذن المستمعة، وابطال مفعول التلوث الصوتي لهذه الأغنيات الهابطة و(قليلة الأدب والذوق).. إنها دعوة للجميع، نرجو الالتفات اليها، بوعي.. وتنفيذ..!!