لم تكن الأنظار مسلطة على البرلمان في دورته السابقة بشأن محاربة الفساد مثلما ستتركز خلال الدورة الحالية، ولا عذر للأستاذ أحمد ابراهيم الطاهر رئيس الجهاز التشريعي إذا لم يفلح في حسم أقل شبهة فساد تحوم حول اية مؤسسة عامة او شبه حكومية..الظروف الآن تبدو مواتية أكثر من اي وقت سابق ليكون البرلمان رقيبا صارما ومتزمتا على الأموال العامة. البرلمان الحالي يتشكل في غالبه من عضوية المؤتمر الوطني وهذه فرصة حتى يْظهر الاسلاميون حرصهم على صيانة المال العام، وينفوا الاتهامات التي لاحقتهم، بأن بعضهم تلبس بشبهة الثراء او تلبست به الشبهة بعد ان صار مسؤولا على رأس جهة من الجهات الحكومية وشبه الحكومية. استئثار عضوية الوطني بالنصيب الأوفى من الجهازين التنفيذي والتشريعي معا، أدعى لأن يفكر الحزب في تعيين الوزراء من خارج البرلمان.. لا داعي لأن تكون طائفة من الوزراء هم في ذات الوقت اعضاء في البرلمان. اولى العتبات التي توضع لبناء برلمان فاعل في محاربة الفساد هو تفريغ النواب تماما لمهمتهم الرقابية والتشريعية ، على ان ينصرف الوزراء لمهمتهم التنفيذية..وثاني العتبات تتلخص في ان يكون الوزير وزيرا فحسب، لأنه لو أصبح مع الوزارة عضواً في البرلمان فإن البعض يرى أن الوزير سيمتلك امكانية التأثير على النيابيين. لست أدري- لائحيا- هل يتمتع من يجمع بين منصبي الوزير والنائب البرلماني بمخصصات ومزايا المنصبين؟!، اذا كان (الوزير- النائب) يجمع بين مخصصات الموقعين، فمن لوازم القدوة الحسنة وضرب المثل في الزهد والورع، ان يتنازل المسؤول عن واحدة من مخصصاته سواء في الجهاز التنفيذي او البرلمان. ومن حسن الحظ أن مولانا الطاهر - الى جانب رئاسته للبرلمان-عضو في اللجنة التي شكلها المؤتمر الوطني لاختيار الوزراء، وعليه من الممكن أن يلح الطاهر في اشتراط عدم جمع الوزير بين العمل التنفيذي والنيابي ما أمكن الى ذلك سبيلا. في الجانب الآخر لم يتبق الكثير من القوانين المتعلقة باتفاقية السلام الشاملة حتى ينشغل بها البرلمان عن غيرها.. في الدورة الماضية صرف النواب كثيراً من الوقت في مناقشة اتفاقية السلام وقوانينها التفصيلية، وللمفارقة كان البرلمان نفسه امتداداً للصراع بين الوطني والشعبية حول القوانين وحول الحكم وحول كل شيء تقريباً باستثناء ما يتصل بتعميق الشفافية في الأجهزة الحكومية او ما يتصل بتحسين حياة الناس ومعاشهم. اذا نفذ مولانا الطاهر وعده الذي قطعه على نفسه بأن يكون البرلمان الحالي حرباً على الفساد، فإنه سيجعل الحديث عن عدم وجود معارضة برلمانية من الأحزاب والكتل السياسية الأخرى ترفاً يردده بنو ثقيف(هذا الاسم يطلقه البعض على المثقفين). جوهر المعارضة البرلمانية هو مراقبة سلوك وتصرفات الجهاز التنفيذي، وسن القوانين المانعة من التغول على المال العام، ولو قام أعضاء البرلمان الحالي بهذه المهمة فقد مارسوا دور المعارضة بأكثر مما هو مطلوب.