أكدت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي الذي صدر أخيراً بشأن حالة حقوق الإنسان في العالم أن عدداً من أكثر حكومات العالم نفوذاً تتصرف وكأنها فوق القانون، حيث تعيق التقدم في مجال حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الدولية، كما اتهمت المنظمة تلك الدول بالدأب على حماية حلفائها من الانتقادات والملاحقات الجنائية، إضافة لاحجامها عن التحرك إلاَّ في الحالات التي تراها ملائمةً لها من الناحية السياسية، حيث تتقاعس حكومات تلك الدول عن إعطاء الأولوية للعدالة على مقتضيات هوى نفسها الأمّارة بالسياسة. موقف المنظمة المنتقد لحكومات بعض الدول الغربية ليس نتاجاً لعملية رجم بالغيب بل لتحليل ورصد دقيق لما يدور في العالم خلف الكواليس والأروقة المظلمة. وقد جاءت خلاصة هذا الجهد تأكيداً لصحة مقولة المؤرخ الإنجليزي اللورد «جون أكتون» بأن السلطة تفسد والسلطة المطلقة تفسد مطلقا، كما جاءت الخلاصة متوائمة مع نتائج دراسة علمية حديثة بأن السلطة تولد النفاق وتجعل الناس أكثر صرامة حيال تصرفات الآخرين وأكثر ليونة مع الذات مما يكرس للا مساواة. سبق صدور تقرير المنظمة بشهر صدور كتاب حديث بعنوان (محامي السيد الرئيس) أثار نقاشاًحاداً وزلزالاً وسط المهتمين بالقانون الدولي في المجتمع الغربي زلزالا بكسره لحاجز الصمت وتناوله لعلاقة السياسة الدولية بالعدالة الجنائية، مؤلف الكتاب البروفيسور الهولندي بجامعة أترخت «خرت يان كنوبس»، وتناول الكتاب الذي يمكن تصنيفه ضمن الكتابات الواقعية المثيرة خيانة المبادئ والصفقات الدبلوماسية السرية وفساد الذمم وازدواج المعايير على مستوى السياسة الدولية وسوء استغلال القانون الدولي من قبل الدول الغربية لتحقيق أهدافها السياسية. أشار الكتاب إلى أن معظم قادة الغرب غير معنيين بتحقيق العدالة الدولية أو تنفيذ القانون الدولي في الصراعات التي تنشأ في العالم بل يركزون على تحقيق مصالح بلادهم، وأشار إلى أن تلك الصراعات تحسم في آخر المطاف بقانون القوة لا قوة القانون، وخلص الكتاب إلى أن الواقع العالمي المعقد في ظل وجود مصالح متضاربة وازدواج معايير جعل القانون الدولي بصورته الحالية غير مؤهل لجلب السلام العالمي مما فتح الباب واسعا للسياسة القذرة لحسم النزاعات الدولية. ووصف الكاتب القانون الدولي بفقاعة الصابون التي يصعب الإمساك بها إضافة لتشكلها وتلونها حسب نوعية الإضاءة المسلطة عليها. أهمية الكتاب تنبع من شخصية المؤلف وخلفيته المهنية فهو بحكم تخصصه خبير ببواطن صراعات القوى المتعلقة بالعدالة الدولية وسابر لأغوارها، فهو بروفيسور متخصص في القانون الجنائي الدولي ومصنف ضمن لائحة محامي الدفاع بالمحكمة الجنائية الدولية، وسبق له الترافع أمام كل من المحكمة الدولية لجرائم يوغسلافيا السابقة، ومحكمتي رواندا وسيراليون، كما عمل مستشاراً لهيئة الدفاع عن الرئيس العراقي السابق «صدام حسين»، وقد جاء اسم الكتاب (محامي السيد الرئيس) من هذه الصفة. كما قام المذكور بالعمل كمستشار للرئيس الأمريكي «باراك أوباما» بشأن التبعات القانونية المستقبلية لاغلاق معتقل غوانتنامو سيئ الصيت، وقد برز نجمه في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أن عمل ضمن هيئة الدفاع عن المتهم اليمني «أحمد حمدان» الذي يحاكم أمام القضاء الأمريكي بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة. أما على المستوى الشخصي فالبروفيسور ممارس لشعائر الديانة اليهودية ومتزوج من محامية يهودية ولديهما اهتمام وتعاطف كبير مع قضايا العدالة الدولية في القارة الأفريقية. كشف البروفيسور أن الذي دفعه على التجرؤ وتناول هذا الأمر الشائك بالتحليل العبارة التي أطلقها الرئيس الأمريكي الحالي إبان حملته الانتخابية في العام (2008) بأن (لا احد فوق القانون) وذلك عندما سئل عن امكانية ملاحقة الرئيس الأمريكي السابق «جورج دبليو بوش» وأعضاء حكومته عن جرائم التعذيب التي ارتكبت في معتقل غوانتنامو بدعوى محاربة الإرهاب. كتاب البروفيسور يمثل عريضة دعوى ضد القادة السياسيين لدول الغرب الذين تجمعهم المصالح وتفرقهم المبادئ لمزجهم ملح السياسة الأجاج ليطغي على فرات العدالة العذب، وأسدل البروفيسور الستار على كتابه حول علاقة السياسة بالعدالة الدولية من منظور غربي بالقرار الأمريكي البريطاني بالقيام بحرب استباقية ضد العراق مما ترتب عليه فظائع وجرائم دولية يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني، وأشار إلى ازدواج المعايير والكيل بمكيالين عند تعامل الغرب مع قضايا العالم الثالث فأصبحت العدالة الدولية خضراء دمن، مظهرها قشيب، ومخبرها نتن، وأشار إلى أنه لم يتم تحريك أي إجراءات جنائية حتى الآن ضد الرئيس الأمريكي السابق وإدارته بالرغم من ثبوت عدم إمتلاك النظام العراقي السابق لأسلحة دمار شامل أو وجود علاقة له بتنظيم القاعدة، إضافة لعدم شرعية الحرب في ظل عدم صدور قرار من مجلس الأمن يجيز استخدام العنف ضد العراق. في مقابل ذلك أشار الكاتب إلى أن الغرب يحرك الإجراءات الجنائية ويطالب بمحاكمة القادة الأفارقة دون غيرهم إذا كان ذلك يحقق مصالح للدول الغربية بينما لا تجرؤ المحاكم الدولية على التعرض لأي رئيس غربي من بعيد أو قريب مهما ارتكب من فظائع. واختتم البروفيسور بأن لديه مستندات أصلية تؤكد تورط بعض الأنظمة الغربية في جرائم دولية وأن كل تلك المستندات مكتوبة في لوحه المحفوظ وسيميط عنها اللثام في الوقت المناسب. *لاهاي