هل صدق «بيكاسو» عندما قال إن الرسم نوع من اللعب؟.. وهل تصدقه أيضاً عندما تجاوز الثمانين وقال إن أقصى ما يطمع فيه ان يعود فيرسم بمقدرة طفل في الثامنة؟ هل حقاً ما يقوله علم النفس: إن الرسم كفرع من شجرة الفن تنفيس عن رغبات مكبوتة تثقل أعماق الفنان ويتحرّر منها خلال الخط واللون وهنا يصبح فنه ليس لغة مخاطبة فقط ولكن وسيلة يوصل بها آلامه الى العالم الخارجي.. وإلينا في صمت صارخ. - وهنا يأتي رأي د. أحمد عكاشة استاذ الطب النفسي، مؤكداً ان «التوتر» لازم للفنان في إنتاجه الفني وأن «الصراع النفسي» الذي تعرض له فنان مثل «فان جوخ» شكّل الى حدٍ بعيد مساره التشكيلي من ضربات الفرشاة على سطح اللوحة حتى اختيار اللون.. ومن وجهة نظر اخرى فقد يكون علاج التوتر فيه علاج للفنان، ولكن يحمل ضرراً لفنه، قد يرسم الفنان لأنه يريد أن يتحرر من عذاب ما.. يدري به أو لا يدري أو منفساً عن رغبة مكبوتة باللا وعي.. ولكن لا شك ان تاريخ الفن يقدم لنا مئات الفنانين الذين رسموا متأثرين بقضايا الحياة والبشر سواء حياة العمال في بيوتهم ومصانعهم التي اجتمعت فيها جنباً الى جنبٍ في متاحف روسيا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا - أم لوحة الصياد العجوز الجالس على صخرة في متحف للفن بنيس بفرنسا منتظراً ان يأتي الرزق من الماء، وإذا تأثرنا بلوحات «فان جوخ» لعمال المناجم بملامحهم الحادة وثيابهم البسيطة وأدركنا محاولات الفنان الإندماج معهم والدخول إلى حياتهم والتأثّر بمأساة من سقط منهم صريعاً في الأقبية المظلمة والأنفاق الممتدة نجد الفنان الفرنسي «القزم» تولوز لوترك - يلقي بنفسه الى حياة الليل الفرنسي ويرسم الراقصين المهرجين وبنات الليل بنفس الحساسية؟ فالفنان يرسم وجدانه مشحوناً بما يراه وما يحسه من حوله أو ما يحرك أعماقه وعواطفه أو يرسم الفنان وقضية إنسانية تشغل تفكيره أو قضية عاطفية تملأ قلبه، ويرسم الفنان لأنه يعشق الرسم ويبحث فيه أو من خلاله.. باحثاً عن تطور ما.. ولغة خاصة.. ومكتشفاً بداية لطريقٍ جديدٍ يسير فيه من يأتي بعده.. أحياناً يدرك الفنان ذلك أو لا يدرك، بل غالباً لا يدرك ما سيصنعه في اللوحة الثانية.. الفنان عندما يرسم يريد أن يترك بعضاً من ذاته للتجربة الإنسانية وللخلود، ولكن حتى هذا الخلود في حاجة الى عين خبيرة.