برزت مؤخراً بجانب الانشطة الثقافية والمجتمعية التي تنتظم عمل المؤسسات والجمعيات المدنية ثقافة عروض الازياء والزينة وفرضت هذه الظواهر حضورها على المشهد الثقافي المجتمعي، نتيجة لذلك لمعت أسماء مصممين ومصممات من الشباب الذين تأثروا بثقافة العصر لا سيما الفضائيات وبعضهم عاش خارج السودان في أوروبا اومريكا او في المنطقة العربية الخليج او الشرق الاوسط مصر وبيروت. صحيح ان هذا الاتجاه واجهته السلطات المختصة اول ظهوره بالعديد من الاجراءات والعقبات التي تنم عن تحفظ في الاوساط الرسمية إلا انه على المستوى الشعبي صار يمثل تياراً واسعاً ووجد قبولاً واستحساناً في اوساط الشباب خصوصاً وان معظم ما ينتج من تصميمات لا يذهب بعيداً في مخالفة العادات والمعتقدات، بل ان معظم خطوط الموضة تسعى لاستلهام الموروث الوطني وتأخذ من الخامات والتصاميم المحلية، وبمرور الزمن تشكل هذا التيار الذي يأخذ من الأصل والعصر غالبيته ووجدت هذه المنتجات اقبالاً ولاستكشاف هذه الظاهرة نقبنا عن جذورها ومصادرها. ..... *ريادة تيار الأصالة: يشكل تيار الأصالة الاتجاه المؤسس لهذا الفن وعلى قمته الاستاذة ستنا بدري وهي من أوائل المصممات، بل من الرعيل الاول الذي درس الفنون الجميلة وتعتبر الاستاذة ستنا بدري رائدة في جماليات «الثوب السوداني» وقد اضافت لمساتها للثوب السوداني الكثير من الألق خاصة وان ظاهرة الثياب المستوردة لم تكن بهذه الدرجة من الانتشار الذي طغى على المعالجات المحلية، كانت ستنا بدري تضيف الاصباغ والكنار الدانيلا المشجرة على الثياب وتعمل على اضافة لمسات بسيطة في حواف الثوب كالخيط المشغول وبعض السكسك، ومدرسة ستنا بدري تشبه لحد كبير معالجات الاستاذة سالمة عبد الله خليل صاحبة أشهر مشغل للزي والزينة في ام درمان، وقد نالت حظاً من دراسة الفنون واقامت معرضاً شهيراً للثوب السوداني ببيروت وقد أضافت سالمة عبد الله خليل اسلوباً آخر هو تطريز الزهور وأوراق الشجر على الثوب السوداني والمزج بين الألوان والخامات في تناسق جميل، كما اضافت جماليات بسيطة قليلة الزخرف على أزياء المرأة العاملة أخرجت الثوب من الجفاف الى الرؤية الفنية الجمالية، ويعتبر مشغل الاستاذة سالمة مدرسة للأجيال. *بيوت الخياطة: وسط الاتجاهات الوطنية لتطوير الازياء السودانية والتصميم نشأت مدارس أو بيوت الخياطة وهي معاهد أهلية للتدريب على فنون التطريز والاقتصاد المنزلي تسهم في ترقية السلوك الغذائي والذوق وتطوير قابليات المائدة السودانية، معظم المرشدات اللائي عملن في بيوت الخياطة كن من الاقباط او الأغاريق في ام درمان من حي المسالمة او الخرطوم واحد او الخرطوم شرق وأشهرها بيت الخياطة المواجه لشارع كترينا بالخرطوم ثلاثة الذي تغنى له العميد أحمد المصطفى في اغنية «سميري»: ديلك جن تلاتة اعرفو تومتي ياتا اهاجر ليها حافي وأزور بيت الخياتة في الخرطوم تلاتة الشاهد أن بيوت الخياطة يتم فيها تعليم اشغال الابرة والتريكو وتخريم الملايات وصناعة المفارش. وفي الخرطوم العمومية اشتهرت «جوليا سركسيان» من ام اثيوبية وأب اغريقي بفنون التريكو والتطريز بجانب براعتها في الآلة الكاتبة، وقد عملت سكرتيرة لحين من الدهر لأهم تجار الخرطوم وهو السيد كونت مخلس. *سعدية الصلحي: لا يمكن الحديث عن ثقافة الازياء السودانية وتطويرها دون الاشارة إلى الاستاذة سعدية الصلحي شقيقة الفنان العالمي ابراهيم الصلحي، سعدية مصممة تجمع بين دراسة الفنون الجميلة - بكلية الفنون، فهي خريجة رائدة في هذا المجال - والموهبة وعقلية الباحث والمؤرخ الثقافي وقد اتجهت الى استقصاء مفردات الازياء التراثية والتاريخية بدءاً بالحضارة المروية مروراً بالعصر الاسلامي وسلطنة الفونج وحتى فترة المهدية، اجرت سعدية الصلحي اضافات على خطوط الموضة كالاستفادة من الطاقية ام قرينات كغطاء للرأس والخامات القديمة كالدمور والقنجة لتطوير أزياء للعريس السوداني خاصة في طقس الجرتق، وتعتبر سعدية من أهم المصممات اللائي شاركن في ابراز صورة الزي السوداني خارج الحدود، كما ابدعت تصميماً لأزياء العروس السودانية استوحت فيه التراث، كذلك اعادت تطوير ازياء المهدية «العلا الله» لتواكب العصر واستخدام القنجة والدمور لازياء سودانية معاصرة. *د. زينب عبد الله مزجت دكتورة زينب عبد الله بين دراستها للفنون وتخصصها في الازياء ودورها العلمي كأستاذة لهذا التخصص بكلية الموسيقى والدراما، تخرج على يديها العديد من الطلاب وهم يعملون الآن في مواقع مختلفة في ذات المجال ابرزهم مهيرة الطيب ابنة الباحث المعروف الاستاذ الطيب محمد الطيب، تقود الدكتورة زينب مجموعة (سودان فولكلور) وهي جماعة ثقافية أهلية هدفها عكس الموروثات السودانية في مجال الزي والزينة والدراما والعادات والمعتقدات، وقد شاركت جماعة سودان فولكلور في عدد من المحافل الاقليمية والعالمية ومثلت السودان تمثيلاً مشرفاً. حوار الثقافات: يتميز هذا الجيل بانفتاحه على الثقافات الحديثة لا سيما العالمية وتأثره بثقافة العصر «الفضائيات» منهن خلود كبيدة ونجاة ومنى كمبال، وآخر المعارض التي شاركن فيها هو معرض «ثوبي هويتي» الذي أقيم بفندق هيلتون الخرطوم تحت رعاية مجموعة من سيدات الأعمال بقيادة سامية شبو. ويؤخذ على جيل المصممين الشباب المبالغة في اضافة الزخارف والحليات التجميلية الامر الذي يمكن ان يجعل الثوب السوداني يفقد طابعه الكلاسيكي المميز ويجعله اقرب الى العباءات الخليجية المزخرفة.في سياق آخر عقد معهد جوته الخرطوم ورشة عمل ضمت مجموعة من طلاب قسم الازياء بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية - جامعة السودان بمشاركة خبيرة الازياء الألمانية شتفاني روغل وقد ناقشت الورشة مع التطبيق العملي الآفاق الجديدة لتطوير الموضة في السودان بالتركيز على اتجاهات الموضة الحديثة في أوروبا وافريقيا وقد قدم كثمرة لهذه الورشة عرض متكامل للتصميمات التي تم تطبيقها. يذكر ان خبيرة الازياء شتيفاني روغل تخصصت في تاريخ الفن ودرست بأكاديمية كارلسروة قسم التصميم وكان بحث تخرجها (بين الفن والموضة) وصارت تشرف على أكبر المسابقات الاوروبية للشباب في التصميم على مستوى اوروبا. *ورشة لمصممي أزياء: أثمرت ورشة معهد جوته اتجاهاً اسلوبياً جديداً هو معالجة الخامات السودانية وتراث الزي السوداني برؤية معاصرة تجسدت هذه الرؤية أكثر في فستان زفاف العروس الذي تم فيه تطوير خامة الدمور البيضاء باضافة جماليات التصميم وايضاً الاستفادة من الحلي والاكسسوارات المحلية، وايضاً تم تطوير أزياء الشباب السودانية والأفريقية خاصة «العلا الله» وتصميم بدلة رجالية من القنجة والدمور. ويقال ان هذه البدلة المصنعة من الدمور كانت من أهم ما يميز أزياء جيل الحركة الوطنية كضرب من ضروب المقاومة الثقافية للصوف الانجليزي.